«الظاهر»

TT

اختار الكاتب البرازيلي الاكثر مبيعا حول العالم كلمة «الظاهر» بالعربية عنوانا لكتابة الجديد الذي يروي حكاية اختفاء مراسلة بريطانية هربت من زوجها مع رجل احبته الى كازاخستان. مرة اخرى يختار كويلو من التراث العربي الذي سحره، هو واستاذه الاكبر، الارجنتيني خورخي لويس بورخيس. والواقع ان تأثر ادباء اميركا اللاتينية وخصوصا حملة نوبل منهم، بالتراث الاسلامي والعربي، يحتاج الى دراسات كبرى لم يتطوع لها احد بعد، لا عندنا ولا عندهم (1). الالق العربي. الصحراء. الهرم. «الف ليلة وليلة». عناوين وينابيع نهل منها اللاتينيون، ومنها تعلموا الكثير في سحر النص والقصّ على السواء.

ويتوجه كويلو، الذي هو ظاهرة مبيع شعبية، الى القارئ الوسط، فيما اتجه بورخيس نحو الكاتب العميق، المتأني، الشديد الثقافة. وكذلك فعل الكاتب الغواتيمالي ميغيل استورياس (نوبل 67) الذي تماهى مع «الف ليلة وليلة» الى درجة انه كتب نصوصا كاملة على غرارها وفي مثل مناخها وسردها. واذا بحثنا جيدا عن « الف ليلة» عند غابرييل غارسيا ماركيز نفسه نراها في «مائة عام من العزلة» على شكل شجرة تفاح تثمر تفاحا من الذهب. وفيما اخذنا نحن على «الف ليلة» انها نصوص شعبية كتبها مؤلفون كثيرون الى ان وصلت الى شكلها الاخير، رأى فيها اللاتينيون منبعا للسحر والخرافات الجميلة ولم تصلهم ـ كما وصلتنا ـ بلغة الحدوثات او الشعر الشعبي الذي يجيده اهل الحارة. لقد بلغهم كما بلغ اللغات الاخرى على انه عمل هائل متعدد الاماثيل والاساطير. وكتب بورخيس «ليلتين» اضافيتين وترك الباحثين في حيرة من امرهم: الليلة 651 و652 مثلا، ولا وجود لهما في النص الاصلي.

وتعتزم فرنسا الآن اعادة طبع «الف ليلة» مضيفة اليها ليلتي بورخيس الساحرتين، اللتين «حشرهما» دون اعلان، كما «حشر» في كتابه «تاريخ الابدية» مجموعة كبرى من النصوص المأخوذة من كتاب آخرين والتي كان يتمنى «لو انه كان كاتبها». وجعل بورخيس «الالف» العربية، اول الابجدية، عنوانا لواحد من اهم الكتب التي تركها. وفعل ذلك لانه اعتقد ان العرب كانوا اول وأهم من اهتم بالكتاب. طبعا ليس عرب الآن، وبسبب تأثره وضع قصة بعنوان «مكتبة بابل» في مجموعة قصصه (اوهام) لانه يحلم بان تكون بابل اكبر مكتبة في العالم. ووضع ايضا «كتاب الرمل» حيث يحكي كيف حمل قبضة من الرمل وراح يمشي نحو الهرم والرمل يتناقص: ها هو اخيرا يدرك معنى هذه المتاهة الهائلة التي تعرف بالصحراء. لكنها متاهة جميلة وساحرة وليست سوداء قاتمة مثل متاهات كافكا. اليس هو ايضا الباحث الاكبر في متاهات القرطبي ابن رشد؟

اذا كان الانسان مصنوعا من قماشة الاحلام، كما يقول شكسبير، فان الحلم هو ما قدمته «الف ليلة وليلة» لكتّاب اميركا اللاتينية. وطبعا لكتّاب كثيرين حول العالم، ولعرب كثيرين. وخصوصا لصاحبنا الدكتور تركي الحمد. اين انت يا سيد؟ ما سبب الاقلال؟

1 ـ راجع كتاب «الاحلام المشرقية: بورخيس في متاهات الف ليلة وليلة». عيسى مخلوف، «دار النهار».