.. وهل تقصم مي علاقات واشنطن وإسلام آباد

TT

القشة التي قصمت ظهر البعير، والحصاة التي سبَّبت الانجراف، والقطرة التي سبَّبت امتلاء الكأس: اختر الصورة التي تحبها لـ «مختار مي»، والمشاكل التي سبَّبتها لقيادة باكستان. «مي» امرأة باكستانية شجاعة ، رفضت أن تصمت بعد أن تعرضت لاغتصاب مجموعة من الرجال باعتباره «عقابا» عشائريا. كذلك رفضت فرض السكوت على قضيتها من قبل الحكومة الباكستانية.

فمن خلال المواجهة وإثارة الانتباه إلى قصتها في هذه اللحظة بالذات قد تكون مي وجهت ضربة قاصمة لمصداقية الرئيس مشرف الذي تمكن من تضليل إدارة بوش بحيث أغرقته بمديح عارم والأموال والسلاح مقابل مساعدة باكستان غير الكفؤة في محاربة «القاعدة» وطالبان.

بدأت تفاصيل الحملة البذيئة لكسر إرادة مي بالظهور في لحظة وقوع تغير استراتيجي في جنوب آسيا. فإدارة بوش تقوم حاليا بتوسيع رهانها الذي وضعته في البدء على الهند، بينما بدأت تقليم استثمارها الموضوع على نظام إسلام آباد العسكري. والهدف هو تحرير علاقات أميركا مع الهند من عقود من «الانحياز» لصالح باكستان.

لذلك فإن آذان مساعدي بوش أصبحت أكثر انفتاحا لسماع مدى محدودية باكستان كحليف. وقد يكون مهما أنه ما عاد الرئيس الباكستاني مشرف يتعامل مع الجنرال كولن باول بصفته وزيرا للخارجية الأميركية وإنما يتعامل مع كوندوليزا المرأة المتحسسة كثيرا ضد الإذلال والتدمير الشخصي الموجه ضد مي المرأة البالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاما..

فبوش قرر عدم الاتصال بمشرف للاستفسار منه حول حكاياته الخرافية المتعلقة بمساعي باكستان الحثيثة لنشر الأسلحة النووية، باعتباره مبادرة قام بها شخص واحد، هو عبد القدير خان، أو للضغط على الجنرال علنا بما يتعلق بمساندة باكستان للإرهاب في كشمير، أو عدم استعدادها للقيام بكل شيء من أجل القبض على أسامة بن لادن وحلفائه من طالبان.

لقد فعلت مي ما لم يفعله بوش في تلك الحالات. فقد قالت الحقيقة ولم تبال بما يحدث، فتحدت، بمساعدة من الاصلاحيين في قريتها والخارج، معتقدات كراهية النساء، غير الانسانية، في المناطق الريفية في بلادها، واجبرت مشرف على اتخاذ موقف، ولكنه وللأسف ايد المعتقدات البدائية بدلا من تأييدها.

في يونيو 2002 اغتصبت مي من قبل اربعة رجال سمح لهم مجلس قبلي بذلك، انتقاما لانتهاك شقيقها العادات الاجتماعية. وفي الظروف الطبيعية لمثل هذه الحادثة، فإن اسرة مي كانت ستقتلها انتقاما لـ«الشرف» او كان من المتوقع ان تنتحر.

ولكنها بدلا من ذلك ذهبت للمحكمة وحصلت على حكم بإدانة مغتصبيها. وسجنوا لفترة قصيرة، ثم افرج عنهم بعدما قبلت مي دعوة لإجراء احاديث في أميركا هذا الشهر. وعندما لم تنجح تلك التهديدات، وضعتها الحكومة على قائمة الممنوعين من السفر وصادرت جواز سفرها.

وقد اعترف مشرف بدوره في حظر سفرها يوم الجمعة في لقاء مع الصحافيين، بعد يومين من نفي السفارة الباكستانية في واشنطن لذلك، فيما أمرت رايس برد فعل قوي، وبدأ عدد آخر من المسؤولين في انتقاد تسامح باكستان لوجود «القاعدة» في مناطقها الحدودية مع افغانستان.

باكستان هي الحالة الصعبة للاستراتيجية الاميركية: وباعتباري منتقدا دؤوبا لحماس فريق بوش بخصوص مشرف ونواقص الجنرال، يجب الاعتراف ان الزعيم الباكستاني اقل فسادا وأكثر شجاعة من الحكومات المدنية التي سبقته. ويضع مشرف قيودا على المتطرفين الذين يسيطرون على الاستخبارات الباكستانية.

غير ان امرأة باكستانية اظهرت ان الجنرال يحتاج الى من يتحداه، وليس التآمر معه او منحه الجوائز.

* خدمة «مجموعة كتاب واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»