النموذج الفلسطيني في المشاركة الإسلامية

TT

يمكن القول بأن مشاركة حركة «حماس» في الانتخابات البلدية الفلسطينية، التي جرت قبل فترة قصيرة من الزمن في عموم مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، مثلت دفعة نحو الأمام على صعيد انخراط التيار السياسي الاسلامي الفلسطيني في ميادين العمل المباشر بالمشاركة مع باقي القوى الفلسطينية، بعد أن كانت حركة «حماس» في الماضي القريب، تفضل أن تعمل لوحدها من دون ارتباطات ائتلافية داخل البيت الفلسطيني. وزادت «حماس» من ايجابية خطوتها السابقة، بإعلانها الصريح عن نيتها خوض غمار العملية الانتخابية لعضوية المجلس التشريعي المقبلة، بعد التوصل الى الصيغة النهائية للقانون الانتخابي، الأمر الذي يبشر أيضاً بإمكانية اندفاعها نحو المشاركة في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية ومعها حركة «الجهاد الاسلامي».

فهذا التوجه لدى حركة «حماس» يدل في جانب مهم منه، على مدى الخطوات الناضجة التي قطعها التيار الاسلامي الفلسطيني المقاوم في سياق تطور نظرته وأدائه السياسي، خصوصاً أن حركة «حماس» كانت وما زالت، وقد اختُبرت ـ بضم الألف ـ خلال العامين الماضيين في قلب ومعمعان العملية الوطنية الفلسطينية في السياسة والمقاومة، وقدمت خيرة كوادرها وفي مقدمتها مؤسسها الروحي الشهيد الشيخ أحمد ياسين على مذبح النضال الوطني الفلسطيني، حيث وجدت نفسها أمام استحقاقات الدور السياسي الجامع والمكمل لدور المقاومة المباشرة وغير المباشرة، وعليه جاءت مشاركتها في الانتخابات البلدية والنتائج المرضية التي حصلت عليها، بغض النظر عن التباينات والاحتكاكات التي حصلت في ثلاث دوائر انتخابية في قطاع غزة.

وفي هذا الجانب، قد تكون حوارات القاهرة الفلسطينية ـ الفلسطينية، التي عقدت قبل فترة من الزمن، الخطوة الجدية الثانية بعد حوارات الخرطوم، التي تمت عام 1992 بين «حماس» وحركة «فتح»، على طريق ترتيب انضمام حركتي «حماس» و«الجهاد» الى عضوية منظمة التحرير الفلسطينية، فهاتان الحركتان تمثلان الاطارين الفلسطينيين الوحيدين خارج منظمة التحرير ومؤسساتها الشرعية.

وفي هذا السياق علينا أن ننظر بتمعن الى الخطوات الاضافية الناضجة التي شاركت حركة «حماس» في صياغتها الى جانب قوى الخريطة السياسية الفلسطينية، خصوصاً منها موضوع الهدنة المؤقتة مع الاحتلال، مع أنها ـ أي الهدنة المؤقتة التي أنتجها حوار القاهرة الأخير ـ تبقى رجراجة ومعرضة للاهتزاز والنسف على يد الاحتلال قبل غيره، وخير دليل على ذلك ما وقع بعد أقل من شهر من اعلانها من خلال القصف الاسرائيلي الذي أودى بحياة عدد من الفتية الفلسطينيين في منطقة رفح يوم 9/4/2005، واغتيال آخرين في قلب مدينة رام الله، واستمرار الخرق المتواصل للهدنة، وهو الفعل الذي ردت عليه القوى الفلسطينية على قاعدة «خرق مقابل خرق».

فالقبول الفلسطيني بالهدنة على لسان أصحاب العمل المسلح والأجنحة الفدائية في الداخل الفلسطيني، لم يكن يعني بأن الأمور أصبحت سالكة على سكة القبول الإسرائيلي بمضمون الهدنة، بما في ذلك ايقاف إسرائيل لأعمال الاغتيالات التي تمس كوادر ونشطاء الانتفاضة في الصفين السياسي والفدائي المقاوم، فمفتاح الهدنة بيد الدولة العبرية، وهنا يمكن القول بالضبط بأننا أمام عملية مديدة ولسنا أمام إجراءات على جانبي طرفي الصراع فقط مهما كانت حازمة أو فاعلة، وهي عملية معقدة، متداخلة ومترابطة يتم فيها تبادل التأثر والتأثير على نطاق واسع، وبالتالي فلا الهدنة ستدوم ولا الاحتلال سيزول إلا في نهاية تلك العملية.

ومن جانب آخر، لا بد من القول من دون مجاملة وبكل موضوعية، ودون «بخس» الدور والحضور المتميز لحركة «حماس» والتيار الاسلامي الفلسطيني، بأن الخلاف حول تشكيل قيادة وطنية موحدة تحت إدارة منظمة التحرير الفلسطينية الواحدة الموحدة وبرنامجها الائتلافي، ما زالت مسألة عالقة يتحمل مسؤوليتها طرفان هما: السلطة الفلسطينية والجناح القيادي في حركة «فتح»، وحركة «حماس» والاتجاه الإسلامي السياسي على حد سواء. فحركة «حماس» التي ترى البرنامج الائتلافي مختصراً تحت عنوان «تقاسم السلطات مع حركة فتح» و«لي ذراع» البرنامج المشترك لصالح النزول عند الرؤية السياسية لها، والسياسة إياها تصب في خانة الطرف الأول في الساحة الفلسطينية، وتعطل امكانية التحول النوعي في منظمة التحرير في حال دخول التيار الاسلامي الى عضويتها.

وخلاصة القول، إن حركة «حماس» أمام استحقاق جديد فرضته الوقائع المتسارعة، ويبدو بأنها التقطت الحلقة المركزية فيه، وانطلاقاً من وعيه له تعمل الآن وفق سياسة تحالفية ائتلافية جديدة في الساحة الفلسطينية، وقد تفضي نحو دخولها الى عضوية منظمة التحرير الفلسطينية. إمكانية دخول قوى التيار الإسلامي إلى عضوية منظمة التحرير، بعد أن كانت تعطي في السابق موقفاً ملتبساً بشأن المنظمة، واشتراطات من نمط «إعادة تفكيك وتركيب المنظمة» وتقاسم كعكة منظمة التحرير ومؤسساتها وأطرها مع حركة «فتح» بنسبة %40 لكل منهما، وترك الـ %20 المتبقية للمستقلين وباقي القوى، وعلى قاعدة «السمك الكبير يأكل السمك الصغير».

* كاتب فلسطيني مقيم بدمشق