المسلسل .. والرسالة

TT

بعد «الكبار» جاء دور «الصغار» في مسلسل الاغتيالات السياسية في لبنان.

و«الصغار»، أو الصف الثاني من قادة الرأي السياسي في لبنان، لا يقلون «أذى» عن الكبار في توجيه الرأي العام اللبناني.. لكن ميزة استهدافهم تبقى في أن تداعيات تصفيتهم لا تتجاوز حدود لبنان ولا تهدد بالتحول الى قضية دولية ـ كما كان الأمر مع جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري ـ وفي نفس الوقت تخدم «الرسالة» الموجهة أصلا «للكبار».

يوما إثر يوم يتحول لبنان إلى حقل رماية ودعاة تجذير ديمقراطيته الى طرائد بشرية، وكأن الرسالة الملحة المطلوب من اللبنانيين أن يتبلغوها هي أن الديمقراطية ترف غربي وحرية الكلام وقف على الديمقراطيات الغربية فحسب.

ممنوع على اللبنانيين استعادة حرياتهم السياسية كاملة.

وفي هذا السياق يبدو لافتا ذلك الشبه والافتراق ـ في آن واحد ـ بين الوضعين السياسيين في كل من لبنان والعراق، فإذا كان العراق حقل تجربة ديمقراطية لا تزال محبطة كونها مفروضة من فوق، وبرعاية أجنبية، فإن تجربة الديمقراطية في لبنان تبدو أكثر خطراً من ديمقراطية العراق كونها تجربة وطنية داخلية وخياراً شعبياً أكده اللبنانيون في توجههم بأعداد مشهودة إلى صناديق الاقتراع.

اغتيالات لبنان لم تعد تحتمل التأويل ولا التنظير ولا توحي بأن ضحاياها الحقيقيين هم المغدورون فقط.

ومن هذا المنظور، لا يعتبر مسلسل الاغتيالات في لبنان مشكلة أمنية بقدر ما هو مخطط سياسي يمهد لمرحلة عدم استقرار تطيح بما أنجزه اللبنانيون على صعيد الانتخابات النيابية الأخيرة من اتجاه واضح لإعادة مصير بلادهم الى أيدي من حرموا قسرا من توجيهه.

قد يكون وضع لبنان الحالي ـ الممكن وصفه بـ «المنزلة بين المنزلتين» ـ مشجعا على تنفيذ مسلسل التصفيات الجسدية، وقد يكون عجز التحقيق اللبناني عن كشف المسؤولين عن كل جرائم الاغتيال السابقة عامل تشجيع آخر لمواصلة منفذي هذه الجرائم مخططهم برعونة توازي جرمهم استهتارا بكل القيم والمفاهيم.

لكن تكرار هذه الجرائم، بهذه الرعونة والوقاحة، قد يقلب السحر على الساحر فيعجل من انتقال لبنان إلى عهده الجديد، عهد الأكثرية النيابية المؤمنة ببناء دولة القانون والمؤسسات والمتطلعة إلى تطهير أجهزة الدولة ممن سيسوها خدمة لذوي نعمهم.

وبقدر ما تعجل الأكثرية النيابية الجديدة في تولي الحكم بقدر ما ستوفر على اللبنانيين المزيد من المآسي وعلى لبنان ردة قد تعيده إلى أجواء السبعينات التي أفرزت حربا أهلية لا تزال مشكلة لبنان الحقيقية تجاوز آثارها المدمرة على كل الصعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية.