تابعت الاخبار عن مصر من شقتي في نيويورك منذ شهر ديسمبر الماضي، عندما بدأت مجموعة صغيرة من المتظاهرين في استخدام عبارة «كفاية»، في مظاهرة في القاهرة ركزت، بطريقة لم يسبق لها مثيل، على القضايا الداخلية، فيما افتقرت المظاهرة المصرية، الى كبر العدد، مقارنة بمظاهرة بيروت عقب اغتيال رفيق الحريري، لكن مصر عوضت ذلك بالاهمية الأخرى. فمصر تعتبر الدولة الاكثر تأثيرا سياسيا في العالم العربي، وهنا فكروا معي في امتداد الظاهرة.
الى ذلك كان والدي يذكر لي في اتصالات هاتفية بمدى جرأة صحف المعارضة، وكنت اطلع يوميا على المواقع الشخصية المصرية على شبكة الإنترنت، التي يديرها شباب وشابات، للاطلاع على تطورات الاحتجاجات.
ولذا عدت لمصر يوم الاربعاء لاشاهد بنفسي ما يحدث، ولأقول كفاية بعد أن انضممت الى 300 مصري ومصرية في مظاهرة في حي شبرا.
كانت عودتي للقاهرة للتظاهر مع ابناء وطني، سيرا على خطوات جدي الذي قبض عليه لاحتجاجه ضد الاستعمار البريطاني لمصر منذ اكثر من 70 سنة.
وفي شبرا، وقف الجميع في البداية على ناصية احد الشوارع يهتفون بشعارات تأييد للاصلاح والتغيير في مصر.
ولم تظهر شرطة مكافحة الشغب، فتشجع المتظاهرون، ولاول مرة منذ بداية الاحتجاجات في ديسمبر الماضي، خرجوا للشارع.
وسارت مظاهرة من مائة شخص من مؤيدي الحكومة بمحاذاتنا، وكان يفصل بيننا وبينهم شرطة المرور بملابسهم الصيفية البيضاء، وكانت مهمة الشرطة الوحيدة هي المساعدة على مرور السيارات، التي كانت مزدحمة بركاب مندهشين. ولم اشاهد مثل ذلك في حياتي في القاهرة من قبل.
وذكرني الامر بصورة لمظاهرة في لندن تحتفظ بها العائلة في «ألبومها»، وقد التقطتها أسرتي عندما وصلا لاول مرة الى لندن للدراسات العليا، فلم يشاهدا من قبل الشرطة وهي تصطف على جانبي الشوارع لفتح الطريق امام المتظاهرين.
ويقول علاء عبد الفتاح، وهو ناشط في الثالثة والعشرين من عمره وهو يلتقط صورا لنا: «ربما لك حق فيما يتعلق بخطاب رايس التي كانت في مصر قبل يومين من المظاهرة، في اول رحلة لها كوزيرة للخارجية، وقد ذكرت في خطاب حول الاصلاح في العالم العربي انه يجب حماية انصار المظاهرات السلمية من اجل الديمقراطية من العنف». وقد سألت علاء عما اذا كان يعتقد ان الضغوط الاميركية ستساعد الاصلاحيين في مصر، فقال انه مهتم اكثر بتغييرات النظام السياسي من اساسه، وأن المصريين فقط يمكنهم ذلك.
وكان واضحا من المسيرة التي سارت عبر شبرا، ان هذا الاهتمام والقلق قاسم مشترك بين مجموعة متباينة ومتنوعة. فقد كان من ضمن المشاركين في الموكب جد يصطحب أحفاده، وكانوا جميعا يتبادلون رفع ملصق كتب عليه «الحرية الآن»، كما شارك في الموكب رجال ونساء من مختلف الطبقات والانتماءات السياسية.
كانت لحظات مثيرة تلك التي انضممت فيها الى بنات وبني وطني للتعبير عن الرغبة في قيادة نهضة للحياة السياسية النشطة والحيوية، التي تمتعت بها مصر القرن الماضي. انصار ومؤيدو الحكومة كانوا يهتفون ويصفوننا بـ «الخونة»، في ما هزمت هتافاتنا حجتهم وأثبتت لهم اننا لسنا اقل وطنية منهم عندما ننادي بالإصلاح.
لقائي مع علاء وزوجته منال، اللذين يشرفان على موقع لهما على الإنترنت تحت عنوان Bit Bucket، وهو موقع يغطي قضايا الأخبار المتعلقة بالإصلاحات في مصر، بالإضافة الى لقائي بعدد من الشباب في تلك المظاهرة، يؤكد بوضوح على العدد المتزايد للأجيال المصرية الشابة التي اصبحت ناشطة سياسيا الآن.
مع اقتراب نهاية المظاهرة في شبرا، وجه شاب يدعى مصطفى، سؤالا الى علاء حول مكان المظاهرة المقبلة. كان مصطفى ينتظر وصول صديق له في احد مقاهي المنطقة، عندما سمع شرطي مرور يتحدث حول المظاهرة وقرر الانضمام الينا. قال مصطفى: «ظللت انتظر حدوث شيء مثل هذا على مدى سنوات، لقد تحملنا ما فيه الكفاية، ليست هناك اسرة في مصر لم تعاني من البطالة، الكل هنا يعاني من ضغوط نفسية اصابتهم بأمراض».
اما سمية، التي انضمت في الآونة الاخيرة الى مجموعة نسائية تعنى بتشجيع النساء على الانخراط في النشاط السياسي، فقد قالت إنها كانت في السابق شأنها شأن الاغلبية المصرية الصامتة. كانت صامتة على الفقر، على حد قولها، وصامتة على القهر وصامتة على العجز عن الزواج. لكنها تقول «ان ما شاهدته في 25 مايو، جعلها تقرر ان تصبح جزءا مما يجري».
وتقول تغريد، 20 سنة، وهي طالبة تدرس علوم هندسة الكومبيوتر بالجامعة وتسكن في حي شبرا، إن مرور المظاهرة عبر حي شبرا يعتبر في حد ذاته انتصارا عظيما، لأن المشاركين نجحوا في تسيير الموكب في الشارع. شاركت تغريد في تأسيس فرع لحركة الاصلاح وسط الشباب، وانخرطت في النشاط السياسي عقب موت والدتها في المستشفى بسبب خطأ ارتكبته ممرضة.
وتقول إن السبب في ولوجها مجال النشاط السياسي، هو رؤيتها المرضى في المستشفيات، وهم يفترشون الأرض بسبب عدم وجود اسرة كافية، لتقول إنها ستكون عاطلة عندما تتخرج من الجامعة، وحتى اذا وجدت وظيفة كمهندسة كومبيوتر، فإنها لن تتقاضى اكثر من 117 جنيها مصريا في الشهر، ومن هنا شاركت في الاحتجاجات منطق رغبتها في تحقيق العدل الاجتماعي، والعيش الذي يأخذ في الاعتبار احترام إنسانية الناس، ومن هنا أيضا أتشرف أنا بان اقول «كفاية» مع تغريد وسمية ومصطفى وعلاء ومنال.