حرب العراق: وأين هو النفس الطويل؟

TT

لا تكون المحصلة النهائية خلال مسيرة أية حرب واضحة حين لا يكون الانتصار في مثل هذه الحالات وشيكا، والى ذلك فنحن نعيش الآن مثل هذه اللحظات في الحرب في العراق، فيما أظهرت نتائج الاستطلاعات إحباطا متزايدا واستياء إزاء الحرب، فنسبة 60 بالمائة من الاميركيين اعربت عن رغبتها في سحب بعض او كل القوات الاميركية من هناك.

لكنني لا استطيع ان اصدق ان غالبية الاميركيين ترغب حقا في الانسحاب وقبول الهزيمة والتسليم بها. كما لا استطيع تصديق ان هؤلاء يريدون ان يتركوا زهاء 8.5 مليون ناخب عراقي شاركوا في انتخابات يناير للزرقاوي والبعثيين. ولا استطيع بالتأكيد تصديق ان هؤلاء الذين استطلعت آراؤهم على استعداد لقبول قيام دولة تدار بالإرهاب في قلب الشرق الاوسط، او القبول بحرب اهلية في العراق او تبديد وسحق الآمال التي علقت على الديمقراطية في أماكن مثل مصر وإيران، كما لا اصدق ان هؤلاء يريدون ان يروا الآثار المدمرة على قوة وهيبة أميركا.

يمكن القول هنا ان الاميركيين الذين استطلعت اراؤهم يريدون في الغالب الهروب من اللحظة الراهنة المثيرة للإحباط والشعور بالمجهول. فواحدة من عدة مشاكل تتعلق بمحاربة التمرد في العراق، تتمثل في ان الكسب والخسارة في تلك الحرب امر اقرب الى الاستحالة. فالأمر اشبه بمباراة في كرة القدم، على ملعب ليس فيه خطوط تحدد المرمى مع انتشار الفوضى في جميع أجزائه.

ولكن من ناحية أخرى، فهناك مؤشرات على حدوث تقدم في مكافحة التمرد. فالقوات الاميركية استكملت سلسلة من العمليات الناجحة من بينها «عملية الرمح»، في غرب العراق حيث قتل 60 متمردا على الأقل، وألقي القبض على 100 آخرين، و«عملية البرق» في بغداد، حيث ألقي القبض على ما يزيد على 500 من المشتبه في تورطهم في نشاط الإرهاب. وتحتجز القوات الاميركية حاليا 14000 من المشتبه في تورطهم في نشاطات التمرد، كما ألقت القبض ايضا على ما يزيد على عشرين من مساعدي الزرقاوي، فضلا عن تقارير تحدثت عن اندلاع القتال بين المتمردين، وعلى وجه التحديد بين المتمردين العراقيين والأجانب.

ثمة تقدم سياسي، رغم بطئه، وهو عامل مهم لتحقيق النجاح في نهاية المطاف. فقادة المسلمين السنة باتوا يشعرون بالندم الآن على عدم مشاركتهم في انتخابات يناير الماضي، ويساعدون الآن في صياغة الدستور العراقي الجديد.

ولكن وفي المقابل أيضا، فهذه الانتصارات التكتيكية لم تضف شيئا الى تحسين الأوضاع. فهجمات المتمردين في تزايد وعدد الضحايا في تزايد ولا تستطيع قوات الأمن العراقية العمل بمفردها حتى الآن، كما لا توجد قوات اميركية كافية، فيما التمرد قادر على التكيف ويتسم بالتنظيم ولا يزال قادرا على التعلم.

هناك شيء مؤكد وهو انه طالما ليس بالإمكان حتى الآن إصدار حكم عن مسار هذه الحرب، فمن المهم ألا نصدر هذا الحكم قبل أوانه.

الوقت لا يزال مبكرا لقبول الهزيمة، وهو شعور بات يسيطر على أذهان الكثيرين فيما يبدو. اذا استسلمت الحكومات للمتمردين بعد فترة لا تتجاوز عامين، فإن المتمردين سيكسبون في كل مرة. لكنهم لا يكسبون لأنهم يعانون من نقاط ضعف تكشفت بمرور الزمن خصوصا عندما يعارضون إرادة الغالبية. لذا من الخطأ السعي الى سحب القوات الاميركية، الآن في وقت لا تزال محصلة الحرب النهائية غير معروفة والنتائج المترتبة عليها كثيرة ومتعددة. وعلينا أن نتذكر أيضا ان الغالبية العظمى من العسكريين الذين يعملون في العراق وأسرههم قد أدلوا بأصواتهم لإعادة انتخاب بوش لولاية ثانية ليسمحوا له، فيما يبدو، باستكمال المهمة التي بدأها في العراق.

ولكن سيقول آخرون ان أميركا ما كان يجب ان تدخل في العراق اصلا. وربما تكون وجهة النظر هذه صحيحة، ولكن الواقع يتعلق بصورة رئيسية بانتصار القوى التي تسعى لبسط الأمن والاستقرار في العراق، وهزيمة أمثال الزرقاوي.

* خدمة «نيويورك تايمز»