كوميديا عربية سوداء

TT

في سجن أبو غريب، الذي لم تذع شهرته كسجن للمظلومين والتعساء والمضطهدين إلا يوم تسلمه الأميركان في عهد سقوط صدام، وشغل العالم بعد أن تسللت عدسة أميركية لا تأبه بسطوة أميركا كلها ولا مباحثها، فسربت صور الظلم والعدوان للنظام الأميركي..

في السجن ذاته دخل مهندس معماري من النابغين في هذا المجال، اسمه رفعت الجادرجي في عهد حسن البكر من دون أن يعرف لماذا، فقط مجرد تكهنات. في اليوم التالي بعد وصوله من مؤتمر عالمي، ما زالت اصداء التصفيق الحار تتعالى في سمعه، استقبله رجلان من المباحث السرية، وطلبا من وقته عشرين دقيقة فقط لم تمهله لأن يحضر سترته، تحولت في السجن إلى عشرين عاما.

سجن أبو غريب كان أكثر السجون رفاهية من بين السجون الأخرى التي عاش فيها المهندس النابغة، في ذلك الوقت كان يدخل إليه الضوء، وفسحة من المكان تجعل السجناء يمدون أرجلهم على طولها، وفيه ماء للغسيل.

قابل رفعت جادرجي مظلومين كثيرين منهم رجل يعرفه، كل ذنبه أنه حمّل صديقا له رسالة لصديق في الخارج يطلب منه البحث عن عمل له (لأنه ما عاد يطيق العيش في العراق، فإسرائيل أرحم!)، فاقتيد إلى السجن ليعرف أن إسرائيل ارحم فعلا، ويحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما ، فالمقارنة بإسرائيل كالمقارنة بالشيطان، لو قال السويد مثلا لنجا.

المحامون في المحاكمات القضائية العادلة، الذين تعينهم المحكمة للسجناء كما حدث مع الجادرجي، لا يدافعون عن المتهم بل يتقدمون للقاضي بالقول: «سيدي: المتهم مذنب ويستأهل، لكن سيدي نرجوكم رفع عقوبة الإعدام وتخفيف الحكم!. لا يجرؤ محام ان يطلب البراءة لموكله وإلا اعتبر ذلك تشكيكا في الحكومة المدعية.

ذكرتني هذه الحكاية بفيلم كوميدي كان فيه الجنرال، من كثرة ما يحكم بالاعدام، وحتى لا يعذب نفسه بالنطق به، صنع ختما يطبعه على الورقة فتخرج (إعدام)!.

إن كان هذا فيلماً كوميدياً فماذا تكون حياة الجادرجي في السجن؟ كوميديا سوداء (متْنيِّلة)، إذن اقرأو (جدار بين ظلمتين) لرفعت الجادرجي لتتقطع أكبادكم من الضحك!.

[email protected]