رئيس: ظهره الى الحائط ويده في النار..!

TT

بعد عودته مـن زيارته الاخيرة الى واشنطن بدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) يتعرض لحملة إعلامية مركزة، شاركت فيها جهات متعددة من بينها أوساط فلسطينية، هدفها التشكيك بكفاءته وإظهاره على أنه مرتبك، وانه بالإضافة الى عدم قدرته على ضبط الاوضاع الأمنية الداخلية المتردية في مناطق السلطة الوطنية، أظهر عجزاً شديداً في التفاوض مع الإسرائيليين خلال اللقاء الأخير بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلي أرييل شارون الذي جــرى في الجزء الغربي من مدينة القدس.

قبل هذه الحملة، التي شارك فيها معلقون وكتاب وصحافيون فلسطينيون، كان محمود عباس عشية زيارته الأخيرة الى واشنطن، قد تعرض لحملة تشكيك من قبل وسائل الاعـلام الاسرائيلية، وكان شارون الذي قام بزيارة الى العاصمة الاميركية، سبقت زيارة الرئيس الفلسطيني هذه وترافقت معها لبضعة ايام، قد حاول إقناع كبار المسؤولين الأميركيين بأن رئيس السلطة الوطنية مثله مثل سلفه ياسر عرفات.. «غير ذي صلة» وأنه عاجز عن ضبط الساحة الفلسطينية، وأنه من العبث المراهنة عليه وإبرام أي إتفاق معه!.

وكان الواضح ان هدف شارون من حملة التشكيك بالرئيس الفلسطيني وبمقدرته هو قطع الطريق على ما كان وعد به الرئيس جورج بوش، لجهة إعطاء عملية السلام في الشرق الاوسط دفعة قوية، واعتبار الانسحاب الموعود من قطاع غزة جزءاً من خريطة الطريق والتوصل بالنتيجة الى قيام دولة فلسطينية متواصلة وقابلة للحياة جنباً الى جنب مع الدولة الإسرائيلية.

.. إن هذه مسألة مفهومة فالإسرائيليون، وبخاصة في عهد هذه الحكومة الليكودية واليمينية، لا يريدون في حقيقة الأمر سلاماً حقيقياً وإنْ هُمْ يظهرون الانحناء لعاصفة هذا السلام التي بدأت تهـب من الولايات المتحدة والتي أشتد هبوبها من أوروبا والعالم كله، أما ما هو غير مفهوم فهــو ان تلتقي الإنتقادات الإسرائيلية، المـُركَّزة، مع حملة بعض الأطراف والجهات الفلسطينية وان يُشكل هؤلاء جميعاً فرقة موسيقية أخذت تعزف الألحان نفسها وتقرع الطبول إياها.

والملاحظ، حتى لا تذهب التقديرات بعيداً، ان هذا الموقف المـُسْتهدِفْ للرئيس الفلسطيني الذي تقفه بعض الجهات الفلسطينية والذي تناغم معه بعض الاشخاص الفلسطينيين قد تداخل فيه الشخصي والذاتي مــــع الموضوعي والتقت عنده «أجندات» متعددة كثيرة من بينها «أجندات» التنظيمات والفصائل التي شعرت ان دورها قد جاء وإنها يجب ان تستفيد من اللحظة الانتقالية الراهنة لتفرض نفسها فرضاً كبديل لحركة «فتح» على افتراض أن هذه الحركة قد اصيبت بالوهن وأنها ذاهبة الى التمزق وأنه عليها ان تُخْلي مكانها لمن اصبح أكثر منها لياقة وكفاءة وقوة.

وهنا فإن ما يعزز هذا التقدير ان حملة التشكيك التي يتعرض الرئيس الفلسطيني وتتعرض لها حركة «فتح» أيضاً قد ترافقت مع ازدياد الحديث عن وجود اتصالات ولقاءات، مستمرة ومتصاعدة، بين الأميركيين وبين قادة حركة «حماس»، وذلك رغم ان واشنطن لا تزال تصنف هذه الحركة على أنها «حركة إرهابية» ! مثلها مثل حزب الله و«القاعدة». ولذلك، ولأن الاميركيين استبدلوا مواقفهم المتشددة السابقة بمواقف أكثر مرونة ولأنهم باتوا ينتهجون سياسة مُسْتجدَّة، إزاء ما يعتبرونه فصائل وتنظيمات متطرفة و«إرهابية»، عنوانها الحوار على طريق التفــاهم والاستيعاب، فإن حركة «حماس»، التي هي حركة سياسية وابنة حزب سياسي هو حزب الاخوان المسلمين، باتت تتصرف وتعمل على أساس ان من مصلحتها ان يظهر رئيس السلطة الوطنية عاجزاً وغير ذي صلة، وان تظهر حركة «فتح» على أنها لم تعد فرس الرهان الذي يمكن الاعتماد عليه لإنجاز عملية السلام في الشرق الاوسط وحل القضية الفلسطينية.

إن حركة «حماس» تعرف تمام المعرفة ان شارون يسعى لإفشال محمود عباس، ويعمل من أجل تبديد كل الدعم الذي تلقاه الرئيس الفلسطيني من الولايات المتحدة بالأساس، ومن أوروبا والعالم بأسره، لكنها نظراً لحساباتها التنظيمية الخاصة وانسجاما مع تطلعاتها لفرض نفسها كممثل للشعب الفلسطيني، وكرقم رئيسي في الساحة الفلسطينية لم تجد حرجاً في ان تضغط في الاتجاه ذاته الذي يضغط في اتجاهه الإسرائيليون فهي تعتقد ان رياحها قد هبَّت، وأنه عليــها ان تغتنم الفرصة وان «تُذرِّي» بيدرها وحتى وإن كان هذا على حساب ذقن رئيس السلطة الوطنية. الكل يعرف ان محمود عباس ورث إرثاً ثقيلاً، وأنه تسلَّم أوضاعاً منهارة ومتهاوية، وأنه ترأس سلطة لا يوجد منها سوى الاسم، وان هذه السلطة بلا إمكانيات ولا أجهزة وبلا مالٍ ولا عيال، وان الاسرائيليين هم الذين أوصلوها الى هذه الحالة، بهدف إلغاء الطرف الفلسطيني المفاوض وقطع الطريق على قيام الدولة الفلسطينية التي بات العالم كله مقتنعا، والولايات المتحدة في مقدمة هذا العالم، بأنه آن أوان قيامها وانه لا أمل بالانتصار على الإرهاب وبالاستقرار في الشرق الاوسط بدون ان تقوم. إن المفترض ان تتصرف حركة «حماس» ومعها فصائل الرفض الفلسطينية التي تدور في فلكها بغير هذه الطريقة التي تتصرف بها، وبخاصة أنها تعرف كل هذه الحقائق الآنفة الذكر، لكنها تحت ضغط مصلحتها التنظيمية وتطلعاتها لأن تكون البديل لحركة «فتح» لم تجد حرجاً في ان تضغط في الاتجاه نفسه الذي يضغط نحوه شارون ولم تتردد في القيام بكل ما يظهر محمود عباس على أنه عاجز و«غير ذي صلة» وأنه غير قادر على تنفيذ ما يلزم نفسه به.

وبالطبع فإن كل هذا قد استهوى أصحاب «الأجندات» الخاصة فلسطينياً وعربياً وبخاصة في مجال الإعلام فاندفع كل هؤلاء ليشكلوا فرقة موسيقية أخذت تصدح كل هذه الانغام الجنائزية التي تصور محمود عباس على أنه رئيس عاجز.. ظهره الى الحائط ويده في النار..!.

وهنا فإنه لا بد من تذكير كل هذه الأطراف والفصائل والجهات الفلسطينية، التي تنخرط في حملة تشويه صورة محمود عباس، بذلك المثل العربي القائل : «أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض».. وعلى هؤلاء جميعهم ان يعلموا علم اليقين ان تحطيم الرئيس الفلسطيني في هذه المرحلة، هو تحطيم لقضية فلسطين، وإن المستفيد لن يكون سوى الإسرائيليين، الذين لا يريدون سلاماً ولا دولة فلسطينية، ولا يعترفون بشعب فلسطيني له الحق في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.