عراق بوش علاوي الجعفري ..!

TT

انتقل الرئيس بوش الى رؤية أكثر واقعية لما يمكن أن يحققه في العراق وبصيغة بارعة، في خطابه الى الأمة ليلة الثلاثاء الماضي. وبينما يعتبر تغيير بوش الآلية، وليس الاتجاه، مفهوما على نطاق أوسع، فان من المحتمل أن يعيد طمأنة الاميركيين فيما سيسبب قلقا عميقا للديمقراطيين العراقيين.

فالتأكيد الجديد على مغادرة العراق كبلد بدون مشاكل، بدلا من البقاء حتى يصبح ذلك البلد العربي نموذجا للديمقراطية في المنطقة بأسرها، قد ورد في تعهد الرئيس بـ«منع القاعدة والإرهابيين الأجانب الآخرين من تحويل العراق الى ما كانت عليه أفغانستان تحت حكم طالبان، كملاذ آمن يمكنهم أن ينطلقوا منه لشن هجمات على أميركا وأصدقائنا».

وذلك هدف متواضع نسبيا بالمقارنة مع الطموحات الرفيعة لوضع الحرية على المسار الذي حدده بوش في الماضي. انه لا يتنكر لتلك الطموحات، ولا ينبغي له في الواقع، ولكنه بدأ التحدث الى الشعب الاميركي بطريقة أكثر واقعية حول تطبيقها في العراق. ولكن ذلك مجرد جزء من المسعى الذي تحتاج الادارة الى القيام به. كما أن الرئيس بحاجة الى أن يتحدث بطريقة أكثر تكرارا وصراحة الى حلفائه الحقيقيين في العراق، ممن ستكون لديهم بعض الأشياء غير المريحة ولكن القيمة ليبلغوه بها اذا ما اعتقدوا بانه يصغي اليهم.

ان أحد العوائق الكبرى التي ما تزال تواجهها الادارة يتمثل في رفض الإصغاء الى العراقيين، حول القيام بأمور وفق الطريقة العراقية. فمن محاولة تأسيس جيش عراقي جديد وفق مواصفات اميركية، الى تفضيل التعاقد مع أجانب بدلا من عراقيين، غالبا ما حدث الابتعاد عن إنجاز المهمات بطريقة عملية وواقعية.

والى ذلك فمن الممكن أن يتفاقم قلق العراقيين على خلفية تأكيد بوش على مقاتلة الارهابيين في العراق حتى لا يضطر الاميركيون الى مقاتلتهم على الأراضي الأميركية، فيما قد يساعد ذلك على الحصول على دعم شعبي كبير هنا، حيث لا يجادل اميركي بشأن ذلك الهدف، ولكن كان على بوش أيضا ان يقدم في خطابه ما يظهر ان أهدافه المناهضة للارهاب متوافقة مع الحاجات العراقية.

وفي المقابل، وبالنظر في اتجاه آخر ، فمساعي رئيس الوزراء السابق أياد علاوي للتوصل لتسوية مع البعثيين حل محلها الاهتمام بصياغة الدستور والجهود السياسية التي يبذلها العراقيون الذين يعملون مع ابراهيم الجعفري.

علاوي يحب السلطة، تماما مثلما يحب بوش الصرامة التي يبديها علاوي وإطراءه على قيادة بوش. زار علاوي واشنطن في سبتمبر الماضي، وعلى يده اليمنى ضمادات قال انها كانت بسبب ضربه طاولة خلال المشاركة في احد المؤتمرات لتثبيت نقطة أراد طرحها، فيما قال البعض ان إصابته كانت بسبب ضربه احد مساعديه في خلال نوبة غضب. ومن الصعب تخيل الجعفري، الذي زار واشنطن لأول مرة الاسبوع الماضي، وهو يضرب بقبضة يده طاولة او مساعدا له أو أي شيء آخر.

وجد الجعفري ترحيبا لا يقل عن الترحيب الذي قوبل به علاوي، كرمز اكثر منه زعيما قادرا وعازما على الدفع باتجاه فرض الخطوات التصحيحية اللازمة في ما يتعلق بتدريب وتجهيز القوات العراقية، التي تبرز حاجة ماسة اليها في الوقت الراهن ، فيما لا يزال المسؤولون الأميركيون مصرين على معارضة تنوير القادة المدنيين حول العمليات العسكرية، كما يحجمون في بعض الحالات عن نقل سيادة ومسؤوليات حقيقية للعراقيين.

وفي الإتجاه الآخر هل ستكون هناك محادثات مع قوات التمرد السنية بكل الطرق، طالما ستكون المحادثات حول دستور جديد يشاركون في صياغته ولا يهيمنون ؟. يجب ان يكون الدستور نسخة سياسية فعلية للتنازلات المترتبة التي لم تحدث في ميادين المعارك في 1991 او 2003 ، وتلك وبلا جدال بين الأخطاء الأساسية التي لا تزال في حاجة الى تصحيح.

* مجموعة كتاب «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»