معارك النسر الأميركي: من نخل العراق.. إلى التنين الصيني

TT

في رد فعل واضح على استطلاعات الرأي العام التي أظهرت أن الأميركيين باتوا يسحبون تأييدهم لرئيسهم، ولكيفية قيادته الحرب في العراق، شن البيت الأبيض هجوما سياسيا وإعلاميا مضادا، جاء برسائل وإشارات متعددة الوجوه. فمن زعم نائب الرئيس ديك تشيني بأن التمرد يلفظ أنفاسه الأخيرة، الى تصريح وزير الدفاع دونالد رامسفيلد أن هزيمة المتمردين قد تستغرق 12 عاماً، لا شك ان «البليتز» الاعلامي يؤدي الى تشويش الجمهور الأميركي بدلاً من تهدئته. فقد وجد استطلاع للرأي أجرته أخيراً مؤسسة جالوب أن حوالي 60% من الأميركيين يؤيدون انسحاباً جزئياً أو كاملاً للقوات الأميركية من العراق، فيما أشارت نتائج استطلاع آخر أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» ومحطة «سي بي إس» الى أن 51% من الأميركيين خلصوا الى أن الولايات المتحدة كان يجب أصلاً أن تبقى خارج العراق.

ويواجه البيت الأبيض مهمة عسيرة، ليس فقط في تحويل الرأي العام فحسب، بل أيضاً في طمأنة أعضاء الكونغرس والساسة الأميركيين القلقين، بعدما عنّف بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي الغاضبين، المنتمين الى الحزبين الجمهوري والديموقراطي، الوزير رامسفيلد واثنين من كبار مساعديه، هما الجنرالان مايرز وأبي زيد، خلال المرافعات التي أجريت في الكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، اذ ان أعضاء مجلس الشيوخ باتوا يواجهون تشكيكاً متزايداً من ناخبيهم، الذين أصبحوا يشبّهون ما يجري في العراق اليوم بحرب فيتنام، رغم الاختلاف بينهما.

وما أثار دهشتي قبل أيام قليلة هو رؤية السناتور روبرت بيرد البالغ من العمر 87 عاماً، وهو يوبّخ رامسفيلد البالغ من العمر 73 عاماً وكأنه تلميذ مدرسة، فيقول: «سيد رامسفيلد، لقد تابعتك بكثير من التسلية.. فأنا هنا منذ فترة طويلة، وهي فترة أطول من تلك التي قضيتها أنت... وقد عاصرت عدداً كبيراً من وزراء الدفاع... الا أنني لا أذكر أنني استمعت في أي وقت مضى الى وزير يحب أن يحاضر اللجنة بالشكل الذي تفعله أنت... أنا لا أود أن أكون قليل التهذيب... ولكنني سمعت ما يكفيني من اجاباتك الذكية على هؤلاء الأشخاص الذين هم منتخبون... فانزل من على صهوة جوادك العالي عندما تأتي الى هنا... قد لا تعجبك أسئلتنا ولكننا نمثل الشعب... ونحن نسأل ما يطرحه علينا الناس، سواء أعجبك أم لا.. والمشكلة تكمن في أننا لم نطرح أسئلة كافية في بداية هذه الحرب التي دخلنا فيها... حرب السيد بوش».

وفي لحظة انفعال حقيقية أبرز بيرد نسخة قديمة من الدستور الأميركي التي لا تفارق جيب بدلته، وبتسميته الحرب بـ«حرب السيد بوش»، لخص السيناتور المسن المأزق الذي يجد الأميركيون أنفسهم فيه، وهو نفس المأزق الذي يجد كل من الكونغرس الأميركي والمؤسسة العسكرية والرئيس أنفسهم فيه. فما الذي يمكن لك أن تفعله اذا كنت تمثل القوة العسكرية والاقتصادية العظمى في العالم، وتقود بلادك الى الحرب بناءً على افتراضات خاطئة وتوقعات مغلوطة، وبتخطيط استراتيجي ضعيف يفتقر الى دعم دولي ذي مصداقية؟

ثم ما الذي يمكن لك أن تفعله اذا ما كان تحريرك لبلد ما واجه خلال السنتين الماضيتين متمردين كنت قد قلّلت من شأنهم باستمرار؟ فأفضل اجابة تمكن البيت الأبيض من تقديمها كانت وضع الرئيس بوش في الواجهة، الثلاثاء الماضي، ليتحدث مباشرة الى الشعب الأميركي وبقية العالم عبر شاشات التلفزيون، من أجل تعزيز الروح المعنوية لدى قواته وشعبه. ومما لا شك فيه هو أن مستوى التأييد الذي يتمتع به الرئيس في الولايات المتحدة سيرتفع بعض الشيء، ولكن ما لم يتغير الوضع في العراق بشكل جذري، فان انحدار نسبة التأييد الرئاسي ستسير على خط مواز للمعركة التي تواجهها الادارة الأميركية في العراق. ومن خلال سعيه لكسب بعض النقاط على المستوى المحلي، فان بوش سجل بعض النقاط لصالح المتمردين بحديثه عن العراق على اعتبار أنه بلد تقرر أميركا مصيره.

ثمة تطور هام غير مرتبط بالعراق لكنه يستحق التوقف عنده، وهو العرض التاريخي الذي تقدمت به شركة نفط صينية لشراء أسهم شركة النفط الأميركية «يونوكال»، بعدما وصل المبلغ المعروض الى 18 مليار دولار، وهو أكثر من المبلغ الذي قدمته شركة «شفرون» العملاقة المنافسة. وأصبحت القضية الآن أمام الكونغرس الأميركي وهي تذكر بالمحاولات الفاشلة، خلال الثمانينات، التي قامت بها شركات عربية لشراء شركات نفط أميركية وغربية. ففي ذلك الحين، أُجبِرت الكويت على سحب استثماراتها من شركة «بريتيش بتروليوم» بطلب من مارجريث ثاتشر. بيد أن الصين ليست الكويت. ومع وصول أسعار النفط الخام الى ما يزيد على 60 دولاراً هذا الأسبوع، فان دخول الصين بقوة الى عالم شركات النفط، في سعيها الى تأمين احتياجات الطاقة المستقبلية، تنذر بعصر جديد من التوترات. وفي خطابه، عبّر الرئيس بوش بوضوح عما يدور في ذهنه عندما شكر الرجال والنساء الأميركيين الذين يرتدون الزي العسكري لـ«حمايتهم حريتنا»... وهي الحرية التي تستند بالدرجة الأولى الى تأمين امدادات النفط.