معتذر لا منكفئ

TT

قبل اسابيع قليلة كان غسان سلامة في جنوب فرنسا من اجل «معهد العلوم السياسية» المتفرع عن جامعة باريس والمخصص لدراسات الشرق الاوسط. وبعد ايام سافر الى برلين لحضور مؤتمر حول المنطقة وقضاياها، فهي لم تعد ذات قضية واحدة وضياع واحد. ومن برلين استدعته الامانة العامة للامم المتحدة من اجل ابحاث عاجلة حول العراق.

وكان غسان سلامة قد نجا بفارق لحظات من انفجار مقر الامم المتحدة في بغداد. إلا ان عمله الاستشاري مع المنظمة الدولية لم ينقطع. وبعد اغتيال الرئيس الحريري عين وزيرا في حكومة نجيب ميقاتي لكنه اعتذر عن قبول الحقيبة. وبرر ذلك بالتزاماته الاكاديمية في باريس، لكن هناك من يعتقد بان السبب الحقيقي كان القرف من الوضع السياسي المتردي آنذاك، والصورة التي اعطاها عمر كرامي لتشكيل الحكومات والاعتذار عنها.

ربما لم يكن اول لبناني يرفض حقيبة وزارية. لكنها مسألة نادرة في أي حال في بلد اشتهى فيه الناس الحقائب حتى وهو يحترق. هذا الاسبوع في «النوفيل اوبسرفاتور» مقال لوزير خارجية فرنسا السابق اوبير فيدرين حول كتاب الدكتور سلامة الجديد (بالفرنسية) تحت عنوان «عندما تعيد اميركا صياغة العالم». وبعد ان يعرض فيدرين للكتاب من اجل الوصول الى خلاصاته، يقول: «ان غسان سلامة يعتقد، مثلي، بان محدوديات الولايات المتحدة خمس: المحدودية العسكرية، الاقتصادية، الاصرار على الانعزالية داخل الرأي العام الاميركي، ردود الفعل الدولية على سيطرة الدولة الواحدة، واخيرا استحالة الجمع بين السياسة الاخلاقية والسياسة الواقعية».

يضع وزير خارجية دولة كبرى تفكيره في موازاة الفكر السياسي لوزير في حكومة دولة صغيرة، كان الكثير من اعضائها بلا عمل، بما في ذلك تكبد حضور مجلس الوزراء. وهذا الرجل الذي تقف على رأيه فرنسا والامم المتحدة، هو نفس الرجل الذي ابعدناه عن وزارة الثقافة في لبنان. وعندما قررت الجمهورية ان تعرضها عليه من جديد، قال لهم شكرا. احترام النفس نادر لكنه لا يزال موجودا.

هل يبحث لبنان من جديد عن وزير للثقافة ام هو مضطر حتى الآن لوضع الحقائب حيث يجب لا حيث ينبغي؟ انا شخصيا غارق في قراءة كتاب غسان سلامة الجديد، باعجابٍ مثل المسيو فيدرين.