جاءوا من وادي الجن!

TT

لم يصدر حتى الآن حكم ببراءة زوجة سقراط وزوجة تولستوي وأم الفيلسوف شوبنهور وأخت الفيلسوف نيتشه وزوجة د.هـ. لورانس وزوجة دستويفسكي وزوجة برنارد شو وزوجة كارليل. ومن الممكن أن أذكر عدداً من زوجات الأدباء والشعراء العرب. ولكن العرف يمنعنا من التعرض لزوجات وبنات أدبائنا.

والسيدة زنطيبه زوجة سقراط هو الذي قال عنها: إن زوجتي كالسماء ترعد وتبرق ثم تمطر بعد ذلك. فقد كانت تزعق وتشتمه وبعد ذلك تلقي عليه بالماء القذر.. فإذا نظرنا إلى فلسفته العظيمة غضبنا منها. وهي معذورة، فزوجها رجل (صايع) عاطل يمشي عاري الصدر والقدمين ويعيش عالة على تلامذته الأغنياء وخصوصاً تلميذه أفلاطون. وسقراط ينسى طول الوقت أن له زوجة وأولاداً. فهو فيلسوف على العين والرأس وكزوج وأب يستاهل أكثر مما تفعله زوجته!

وزوجة الأديب الروسي تولستوي كانت تحتقر أفكاره الفلسفية والإنسانية. وكانت تكره أن يجيء الفلاحون إلى بيتها بأحذيتهم الغليظة والطين وروائحهم الكريهة. وذهبت في شكواها إلى القيصر. وطال النزاع والخلاف بينها وبين زوجها حتى هرب وترك لها البيت ومات في إحدى محطات السكك الحديدية. ولا أذكر أن أحداً قد شتم زوجته بمثل ما فعل تولستوي. لدرجة أنني لا أستطيع أن أنقل بعض ما قال من أوصاف غليظة عن شكلها ولونها ونومها ورائحتها!

ومن أقوال تولستوي: إن أحداً لا يستطيع أن يقول رأيه في زوجته إلا إذا أحكموا إغلاق باب قبره!

والفيلسوف الألماني شوبنهور لم يتزوج ولكن أمه كانت صاحبة صالون أدبي. وكانت تغار من ابنها. أو كانت ترى أنه يلقي بضوئه القوي عليها حتى تبدو كأنها شمعة في ضوء الشمس. وكانت لا تحب أن يجيء إلى صالونها الأدبي. وفي إحدى المرات طردته فقال لها: سوف تعيشين وتموتين على أنك أم شوبنهور! وهذا ما حدث.

والمعنى؟ من الصعب أن تعايش عبقرياً; لأن العبقري يقف ويقعد وينام على الحافة الضيقة بين العظمة والجنون. ولا يزال العباقرة شواذاً. فهو كبير العقل ضئيل الجسم. أو كبير العقل ولا قلب له مثل اينشتين، فقد كان قاسياً على زوجاته الواحدة بعد الأخرى، وأقسى على ابنه الذي أصيب بالتخلف العقلي فتركه في أحد المستشفيات السويسرية ونسيه حتى مات!

وكل ما يمكن أن أقوله على بعض أدبائنا عن أولادهم، فنجيب محفوظ له ابنتان لم تقرأ واحدة منهما كتاباً له. إنهما تنتظران حتى يترجم إلى الإنجليزية أو تظهر في مسرحية أو فيلم. ابن طه حسين الدكتور مؤنس لا يعرف العربية! وابن توفيق الحكيم كان عازفاً موسيقياً. ولا علاقة له بالأدب. وكان ذلك مصدر عذاب لأبيه. وليس مألوفاً في تقاليدنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك!

وكلمة (عبقرية) منسوبة إلى وادي عبقر أي وادي الجن الذي جاء منه وبقي فيه العظماء. فإن لم يكونوا شياطين ففيهم كثير من صفات الشياطين. أي القسوة على أقرب الناس إليهم!