بالعافية

TT

في القدس وفي بطريركية الروم الأرثوذكس تحديدا تم إقصاء البطريرك اليوناني إيرينيوس الأول عن رئاستها بسبب «سوء إدارته ونقص الشفافية والخداع التي قام بها»، حسبما أفاد به الناطق الرسمي للكنيسة. وفي إسرائيل سمحت الشرطة الإسرائيلية بالتحقيق مع كبير حاخامات السفارديم (اليهود الشرقيين)، شلومو عمار، بسبب حادث اعتداء شارك فيه ابنه. خبران لافتان تناقلتهما وكالات الأنباء العالمية ونشرا في العديد من الصحف الدولية والعربية.

وعربيا يحاط العالم الديني، سواء أكان مسيحيا أم مسلما، بهالة كبرى من التبجيل والإجلال، ويصل ذلك الى ما يشبه المنع أو النهي عن انتقاده. وإن كان لتلك القاعدة استثناءات كما حدث أخيرا ليوسف القرضاوي وما وجه إليه من تعليقات بخصوص فتاواه وآرائه المؤيدة للعمليات الانتحارية، وهذه العمليات التي كان يصفق لها ويهلل عندما كانت داخل الأراضي المحتلة.

والآن وبعد أن انتشرت «الفتوى» وأخذ بها، بات الكثيرون من المتطرفين يستخدمونها ضد أبناء جلدتهم ودينهم في العالم العربي. وبتنا نرى ذلك في السعودية وقطر والمغرب ومصر والعراق أمرا عاديا، والعيب أن بعض العلماء يحرم التبرع بالأعضاء على أساس أن الجسم أمانة وأعضاءه كذلك، ولكنه يحلل العمليات الانتحارية التي فيها خلاص من الجسد والأمانة كلها.

لسنوات طويلة كانت مقولة إياكم والمس بالعلماء أو التعرض لهم فان «لحومهم مسمومة»، كانت هذه المقولة مانعا ذهنيا ونفسيا أمام النقد البناء لرأي أو نهج العلماء، وكانت ذريعة للتصدي والتهجم وحتى التكفير في بعض الحالات لمن يقوم بنقد أو إبداء رأي آخر.

ويأتي ذلك كله في سياق جاهزية العالم العربي في قبول فكرة النقد والتعايش معها ومدى استعداده للعمل بمبدأ الرأي والرأي الآخر بدلا من احاطة أي حوار أو نقاش بعلو كعب فريق على آخر وبالتالي «تسميم» لحم فريق على آخر، وذلك في أسلوب تعجيزي يعقد نزاهة وموضوعية النقاش.

عدم التعرض لرأي أو فتوى أو نهج لشيخ أو عالم تحت أي حجة، يضر حتما ولا يفيد. ولعل في مقولة الإمام الشافعي أبلغ الحكمة حينما قال: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». حين يصل الحوار النقدي في الرأي الفقهي ومصدريه عند هذا الحد، نكون بخير، وواقع الأمر يؤكد أننا بعيدون تماما عن ذلك.

[email protected]