لماذا لم يصبح سعد الحريري رئيسا للحكومة؟

TT

كانت سوق السياسة تراهن على ان سعد ابن رفيق الحريري سيتوج حاكما للبنان بعد انتهاء الفرز الانتخابي، تأكيدا على أن الحريري باق روحا وسياسة وعائلة. جاءت المفاجأة في اختيار فؤاد السنيورة رئيسا للحكومة، وبعدها تساءل كثيرون ماذا حدث لسعد الحريري، الذي قاد تيار المستقبل وكسب الانتخابات؟ هل خاف، أم دفع للخلف، أم لم يحظ بالتأييد الكافي، أم انها مرحلة انتقالية؟

الحريري الصغير هو الذي قرر، خاصة انه رئيس الفريق المنتصر، ان يرجع للوراء مقدما شخصا كسب ثقة والده، أي فؤاد السنيورة.

عدم ترشح سعد الحريري لمنصب رئاسة الوزراء، رغم انه كسب المعركة الانتخابية بجدارة ونجاح باهرين، يعيد تاريخ والده الذي لم يقبل بالمنصب، الا بعد ان قضى زمنا يعمل خلف الكواليس وانجز مشاريع سياسية تاريخية، مثل اتفاق الطائف.

الوضع السياسي القائم، كما نرى، يمر بمرحلة صعبة لا تقل تعقيدا، بل وخطورة، عن الفترة التي صاحبت اغتيال رفيق الحريري. والتعقيد السياسي لا يعني عجز آل الحريري، فثقة الناس فيهم كبيرة، بدليل انهم كسبوا الانتخابات وجاء التأييد لهم ساحقا، منحهم اغلبية مقاعد مجلس النواب التي تمكنهم من تغيير الوضع السياسي على الأرض ان شاءوا. اما ادارة الصراع السياسي خارج البرلمان فشأنه آخر، وقد لا تكفيه الاغلبية البرلمانية، وان كان التأييد الشعبي ضرورة لما تبقى من معارك كثيرة مقبلة.

نتيجة الانتخابات غيرت التاريخ وستغير المستقبل. فهي صححت الوضع وخربت على مخططي الجريمة. الحريري الراحل اخرج من الحكومة بالمضايقة السياسية، ثم اقصي نهائيا بقتله غيلة حتى لا يعود، الناخبون اعادوه اليوم بشعبية كبيرة.

اما على المستوى العائلي، فليس سرا ان الراحل رفيق الحريري لم يدخل أحدا من ابنائه في ادارة الدولة، ولم يمنح احدا منهم مناصب رسمية طوال فترة عمله، وكان حظ اخته بهية قد جاء من خلال الانتخاب المباشر عبر منطقتها لا عبر التكليف الرسمي. وربما اراد ان يجنبهم شرور العمل السياسي الذي أودى بحياته، او انه لم يرد ان يحملهم وزر الخلافة السياسية التي شاعت في اوساط العائلات السياسية اللبنانية، التي توارثت بشكل دائم مناصبها ومنافعها، لكن شابا مثل سعد الحريري لم يختره والده، بل جاء في اعقاب عملية الاقصاء الدامية، كنتيجة طبيعية للرد على الجريمة، والتأكيد على مشروع الحريري.

وإذا كان هناك في لبنان من له مشروع حقيقي، فقد كان بدون ادنى شك رفيق الحريري. غيّر اوضاع لبنان، ورؤية العالم له ورؤية اللبنانيين لأنفسهم، بعد ان كان دولة محطمة النفس والأرض. المال لم يكن سوى اداة تنشيطية، لكنه لم يكن الفاعل الحقيقي. فرجال الاعمال اللبنانيون الاثرياء منتشرون في انحاء العالم، وقلة منهم رغبوا في ان يخاطروا بحضورهم او استثماراتهم في انقاذ الوضع. مشروع الحريري حسب خطته منح الثقة في نفس المواطن اللبناني، وبعد ذلك تدور العجلة بذاتها مهما كانت التحديات، وهذا حدث لاحقا.

[email protected]