أحمدي نجاد: رئاسة تواجه العالم بتحديات جديدة

TT

محمود احمدي نجاد الفائز بالرئاسة السابعة للجمهورية الإسلامية يجسد التناقضات التاريخية لمرحلة ما بعد الفوضى الثورية التي هزت عراقة الدولة القومية، وأنجبت جيلا انقطع اتصاله بجذور الأمة الإيرانية، فتغلبت الغوغائية الجماهيرية على الأسس الحضارية، وواقعية التعامل اليومي الذي يميز الدولة المنظمة لتحل محلها همجية الثورة.

هو صاحب المقولة البلشفية «لم نقم بالثورة لنحصل على الديمقراطية» التي تجمد الدم في عروق الذاكرة الإنسانية لتسترجع صرير انزلاق مقصلة روبسبير، وتسرب غاز هتلر، وصدمات ستالين الكهربائية. احمدي نجاد، اول رئيس جمهورية من خارج «الحوزة»، النادي السياسي لرجال الدين، لكنه يحمل مؤهلات أكاديمية مصحوبة بمخزون الحقد الذي تضمره قلوب الجهلاء ـ رغم انفهم ـ ضد ابناء الطبقات المتوسطة، من مدرسين يعلمون اطفالهم وأطباء يداوون الامهم.

ألحق رئيس الجمهورية السابعة، في مطلع الثورة، افدح الأضرار ببلاده بتمزيق بروتوكولات التعامل العالمي بترتيبه اقتحام السفارة الأمريكية، واخذ موظفيها المدنيين رجالا ونساء رهائن، معرضا ايران لأطول مقاطعة اقتصادية وثقافية وسياسية من اغنى امم الأرض وأقواها.

التناقض الآخر، هو تمكن الرجل القادم من خارج اسوار الحوزة، من هزيمة واحد من أكثر ساستها دهاء وصاحب الخبرة في الوظيفة المتنافس عليها، فقد تولى علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهوريتين الثالثة والرابعة، وعرف ببراجماتية المزارع التاجر، كيف يشتم الناحية التي تهب منها رياح الربح والخسارة. لكن احمدي نجاد، في هذه المرحلة على الأقل، يحظى بدعم الحوزة ومباركة الحاكم الفعلي الشمولي الأوحد لإيران، مرشد الثورة اية الله خامنئي.

فوزه يطرح على باحثي علوم السياسة السؤال: هل الانتخابات ـ صوت واحد للمواطن الواحد ـ هي «الديمقراطية» المشتهاة; ام انها احد الأشكال السحرية التي تتخذها العصا في مطاطية المسافة بينها وبين الجزرة، بهدف تحكم اوتوقراطية اوليغاركية في الشعوب المغلوبة على امرها، او التي أعمتها العواطف عن رؤية ما يتربص بها على ناصية الطريق غير المعبد؟

ردة الفعل الأولى من الآلاف من ابناء الطبقات الوسطى ـ وهم العماد الاقتصادي وحملة مشاعل التطور لأي امة ـ الذين استجابوا لنداء الرئيس السابق محمد خاتمي بترك نجاحهم في الغرب والعودة لبناء الأمة، يلقي ضوءا على التيارات المتناقضة المتفاعلة داخل ايران. حشد أحمدي نجاد التأييد ببروباجندا في المساجد لإعادة التأميم، معتبرا ان السيطرة الشمولية الخانقة للجمهورية الاسلامية على وسائل الإنتاج لا تكفي، واعدا بإعادة مصادر الثروة ليد الفقراء. ومع ارتفاع البطالة الى نسبة 30% صدق الشعب الشعار; الذي لا يوجد تعريف اقتصادي عملي له.

وهذا بدوره سيخيف المستثمر الجديد ويصادر ممتلكات وأموال الشركات التي تشغل البترول وما بقي من الصناعة الإيرانية ـ وتوظف مئات الآلآف، مما سيزيد من اعداد العاطلين، ويوسع دائرة اعتماد ـ او اتكال ـ المواطنين على الدولة التي يعاد الآن تثويرها.

وفضلا عن تأثير البطالة والتأميم المعروف في تقليص دائرة المستهلكين وقدراتهم الشرائية والانفاقية في قطاع الخدمات من سفر ومطاعم وسياحة ـ وهو ما استثمر فيه مئات الآلاف من العائدين من الخارج ـ فإن العودة للأصولية الإسلامية ومنع الاختلاط بين الجنسين في الاماكن العامة، سيجفف الآبار الاقتصادية لهؤلاء المستثمرين ومعظمهم مزدوج الجنسية بدأوا بالفعل تجهيز امتعتهم للرحيل، اذا ما استطاعت الأصابع المتورمة من عض الندم حملها الى المطار.

وكعادتهم، نصح الديبلوماسيون البريطانيون; وهم يتحسسون البطانة الفضية للسحابة الأخيرة; بالتريث قبل اصدار الحكم على الرجل قائلين ان الخبر الطيب هو غياب التيار الإصلاحي المعارض الذي كان يستفز المتشددين ورجال الدين; وهز زملاءهم الأوروبيون رؤوسهم، مضيفين بأن «المؤسسة» الحاكمة الإيرانية تتحدث الآن بصوت واحد ويسودها تيار متجانس بعد ان قالت الأغلبية ـ الأقلية بحساب ارقام الموافقين بين من صوتوا ضمن من يحق لهم التصويت ـ «اوريفوار» للإصلاح والتعامل البراغماتي مع العالم الخارجي.

الترويكا الأوروبية ـ بريطانيا، فرنسا والمانيا ـ تحاول منذ ثلاثة اعوام ايجاد مخرج من مأزق اصرار الجمهورية الاسلامية على التحول الى قوة نووية اقليمية، وعناد المحافظين الجدد في ادارة الرئيس جورج بوش مصرين على حرمان ايران مما تراه حقا قوميا وما يراه الاسرائيليون تهديدا لوجودهم كدولة.

تستطرد اوروبا في هذا التفسير لتعبر عن تفاؤل حذر بامكانية التقدم في جلسة مفاوضات قادمة هذا الشهر، مع نظام احمدي نجاد، من منطلق ان الأخير تشدد في حملة الدعاية الانتخابية، ليفوز، وان «واقعية» مكتب رئيس الجمهورية، ستجبره على وضع مصلحة الأمة قبل الأيديولوجية.

وحسب مصادر دبلوماسية من الترويكا، اعد الأوروبيون عرضا على طهران، بتزويدها بالوقود النووي لمفاعلات توليد الطاقة، مقابل تخليها عن مشروع تخصيب اليورانيوم ـ والذي يؤدي بالضرورة الى انتاج سلاح نووي ـ مع تقديم حوافز اقتصادية وسياسية. وتوقع الاوروبيون مرونة من واشنطن، لطمأنة الايرانيين بأن التعاون في هذا المجال سيعود بالخير اقتصاديا عليهم، ويرفع تهديد «تغيير احد انظمة محور الشر» الذي يرونه سيف ديموقليس امريكي.

«وفي حالة رفضهم العرض»، قال مصدر دبلوماسي أوروبي، «يكون عرض الملف على مجلس الأمن الخطوة المقبلة».

لكن تدخل الرئيس بوش على الخط، لتندفع الكلمات من عواطفه الى فمه، دون المرور بفلتر العقل، ليضع عقبات شبه مستحيلة في طريق المفاوضين الأوروبيين.

واشنطن «ادانت» نتائج الانتخابات قبل اعلانها، في خطوة، اقل ما توصف بأنها تبتعد اميالا عن الحكمة الدبلوماسية المتعارف عليها حيث تقضي على آمال التعاون الدولي والحوار مع خامنئي ـ أحمدي نجاد وشركائهما الجالسين الان في غرفة مجلس الإدارة الايرانية.

وقد عبرت موسكو، الاربعاء، عن امتعاضها، من الخطوات الأمريكية، خاصة الأمر الإداري المطروح بتجميد ارصدة شركات روسية وإيرانية وسورية وكورية «تتعامل مع الدول المارقة» وتحرم على الأمريكيين التجارة معها.

ورغم ان تاريخ احمدي نجاد، وتصريحاته، لا يدعوان للاطمئنان، الا اننا، كمراقبين بريطانيين، ننتظر افعاله وليس اقواله. لكن ما يحدث في واشنطن يبدو اقل مدعاة للاطمئنان مما يحث في طهران.

هل الحل اذا هو المزيد من العقوبات الاقتصادية على ايران، والتي ثبت من تجارب العراق وليبيا وروديسيا انها تضر بالفقراء من الشعب أكثر من اضرارها بالأنظمة، ويتبعها، اذا دعت الحاجة، ضربات عسكرية دقيقة التصويب ضد المنشآت النووية الايرانية؟

لا شك ان اشارات من طهران خامنئي ـ احمدي نجاد، مطلوبة لطمأنة الجيران، لكن المطلوب بشكل اكثر الحاحا اشارات واضحة ومحددة من ادارة الرئيس بوش عن الاستراتيجية التي ستتخذها اذا ما انهارت محادثات الترويكا الأوروبية مع ايران في هذا الصيف الذي يبدو أكثر سخونة من المتوقع.