أنت مرفوضة شكلاً!

TT

جمعتني بالدكتور معروف الدواليبي صداقة دامت أكثر من ثلاثة عقود. ولم أكن اذهب الى الرياض مرة من دون زيارته والاصغاء الى صفحاته التاريخية. وكان يتكرم غالبا بالكتابة موضحا أو مشجعا. وعندما قرأت المقابلات التي أجريت معه في «الشرق الأوسط» فوجئت ببعض الكلام الشديد الخطورة. لكنني امتنعت عن التعليق او التساؤل الى ان قرأت مقال الأستاذ غسان الامام الاسبوعي يوم الثلاثاء، في مناقشة الأقوال المنسوبة الى الراحل العزيز. ولا شك ان الزميل الكبير يكتب من خبرة شخصية بالاضافة الى ثقافته التاريخية الواسعة. وتلك، في الحقيقة، مرحلة لا اعرف عنها سوى القليل الذي لا يشكل حجة او تأهيلا للمشاركة في النقاش.

غير أنني توقفت بدوري عند أمرين: الأول، قول الدواليبي إن فرنسا هي التي اعدت انقلاب اديب الشيشكلي من اجل ان تصمت سورية عن دورها الاستعماري في المغرب العربي. والحال أن أي مراقب للتاريخ يعرف أن فرنسا في تلك المرحلة لم تكن قادرة على إلقاء تحية في دول المشرق. وكان خروجها من سورية مدويا. وحتى انقلاب حسني الزعيم الذي نسب إليها، عاد فقال مايلز كوبلاند إن الأميركيين كانوا خلفه وجعلوه يبدو وكأنه من صنع فرنسي. وفي المذكرات التي نشرها كوبلاند في «الشرق الأوسط» تحدث عن دوره كعميل للسي.اي.ايه في دعم انقلاب الشيشكلي.

في أي حال، هذه نقطة تفصيلية. أما الأمر الثاني والأكثر اهمية، فهو قول الدكتور الدواليبي ان المجاهد فوزي القاوقجي الذي كان من ابرز القادة في حرب فلسطين، كان في الحقيقة عميلا للانكليز وبالتالي لاسرائيل، وانه سلم بعض المواقع للقوات اليهودية. لقد توفي القاوقجي في مدينته طرابلس قبل سنوات وفي ظن العرب والفلسطينيين واللبنانيين انه مجاهد لا ينسى. وقبل كلام الدكتور الدواليبي لم تصدر أي اشارة من أي مكان الى ان الرجل كان عميلا لا مجاهدا كما هي صورته في الذاكرة العربية.

فماذا كانت الحقيقة؟ المشكلة ان المتهم ، والمتهم في دنيا الحق، لا الدواليبي يستطيع ان يسند ولا القاوقجي يستطيع ان ينفي ويثبت. ولكن خطورة الكلام انه سوف يلقي الشك على شخص ودور رجل عربي كانت الناس تسلم بأنه من التاريخيين والأفاضل. وهذه هي، في نهاية الأمر، مشكلة المذكرات العربية كما وصفها الأستاذ غسان الإمام.