القاوقجي

TT

كنت في حاجة إلى سكرتيرة وليس سكرتيراً. فهي عادة أهدأ وأكثر انضباطاً ونظاماً. وتقدمت كثيرات. ولم أجد الفتاة المناسبة. ووقعت في مشاكل ومطبات بسبب وساطات الأصدقاء والأقارب. جربت إحدى القريبات. ووجدت صعوبة في إقناعها بأنني قريب لها خارج المكتب. أما في المكتب فأنا رئيسها ورئيس كل الناس هنا. ويجب أن تراعي المسافة التي بيننا فلا تقول لي: يا أونكل. وإنما أنا الأستاذ فلان أو الريس فلان. ولا تتوقع مني أن أربت على كتفيها كلما طلبت منها شيئاً وأن أسكت عن أخطائها. وبعض أخطائها كانت فادحة. مثلا: قلت لها إذا طلبت أحد الوزراء فليكن عن طريق مدير مكتبه. فلا تطلبه مباشرة ثم تلطعه حتى أفرغ من كلامي. حدث أكثر من مرة واعتذرت. وكان لا بد من أن تترك العمل. وغضب أقاربي. ومن يومها لم أعد أختار أحداً من أقاربي أو قريباتي للعمل معي.

واخترت سكرتيرة بلدياتي من المنصورة. وكانت غلطة. فهي تتوقع أن أسامح وأتسامح معها. وأنا رجل جاد جداً في عملي. وأنني آخذ الآخرين بالشدة، تماماً كما أتعامل مع نفسي. لا رحمة بنفسي ولا هوادة. وكان لا بد أن تترك العمل.

وطلبت من أحد أصدقائي مدير أحد البنوك الأوروبية. وجاءت واحدة. أسألها: تعرفين لغات أجنبية. فقالت: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. أمي إيطالية.

وسألتها: هل تعرفين الكتابة على الكمبيوتر؟. وهل تعرفين وهل قرأت وهل سافرت وأين تقيمين وكم عدد اخوتك البنات والبنين وماذا يعملون جميعاً. وإن كانت عندها سيارة. وكلها أسئلة أحاول أن أنفذ منها إلى شيء لكي أرفضها. أما السبب فهي جميلة جداً. ومن الصعب أن تعمل معي من دون اتهام بأنني اخترتها لأسباب أخرى. ولا شيء ولا أحد يساوي أن يكون سبباً في إطلاق الشائعات حولي. وهي جالسة أمامي. تجيب ولا أجد عذراً معقولا لرفضها. وأخيراً سألتها: وفي تقديرك كم تتقاضين شهرياً؟

ـ بالدولار؟

ـ لا بالجنيه المصري. فهذه مؤسسة قومية

وقالت رقماً. فقلت: والله أنت تستاهلين أكثر. ولكن المبلغ الذي طلبته يعادل مرتبي أنا لمدة ستة أشهر!

وودعتها. وبعد ساعة طلبني صديقي: إيه اللي حصل؟

قلت: لم يحصل شيء. وإنما هي مرفوضة شكلا!