خرافات عصرية

TT

يظهر ان الانسان لا يعيش بالعلم وحده، بل الخرافات ايضا. ولأبناء العصر الحديث خرافاتهم التي تشكل خطرا ابلغ من أخطار الخرافات الشعبية القديمة. حتى للماركسيين خرافاتهم، وفي طليعتها ايمانهم بأن النجارين والكناسين يستطيعون ادارة الدولة.

هناك الآن نوع جديد من الخرافات في الدول الغنية، حيث اصبحت المرأة تكسب اكثر مما تستطيع ان تنفق. اكتشف ذلك الرجال الفهلوية فطوروا ما يسمى بالعلاج العطري Aroma Therapy. فضحت ذلك الكاتبة الأميركية ميرنا بلايث في كتابها «اخوات التلميع» الذي نشرته بعد ان جنت ملايين الدولارات من تلميع النساء. هذا ما يجري في هذه المرافق المعاصرة المعروفة بالمصحات المائية Spa، كان الناس بالأمس يذهبون لهذه المصحات كعين العليل في العراق لمعالجة الشلل او الجذام او الروماتزم. ولكن الآن اصبح هؤلاء الجهابذة يستعملونها لتحسين الجمال والصبا والطراوة وتحاشي الشيخوخة بمعالجات وعقاقير، منها السوائل المطيبة. تجدها على قنان صغيرة تباع بخمسين او مائة دولار. تقرأ على العلبة الخارجية بأنها تساعد على التفاعل الخلوي مع البشرة. كيف يكون هذا التفاعل وما هو؟

في هذه الايام التي تتعطش فيها الشرقيات الى اقتباس آخر مستجدات الغربيات، نجد اصحاب العلاج العطري يغمرون الغربيات بغيبيات وسحريات الشرق. منها اقتباس غرفة «الرسول» ـ كما يدعون ـ في تركيا المسلمة. يشيرون بذلك على الفتاة المقبلة على الزواج، بأن تعد نفسها لليلة الدخلة (!) بأربعين يوما من المعالجة في غرفة «الرسول». يتضمن ذلك تغطية كامل جسمها بثلاثة انواع من الطين تنتهي بغسلها بمطر استوائي معطر.

سيكون بامكانها بعد الزواج والدخلة ان تمارس طقوس اللولود الاندونيسية من جزيرة جاوة. يعني ذلك دلك جسمها بمستحلب عطري مطيب بأزهار وحشية.

يدخل كل ذلك في اطار ميوزاك العصر الجديد. وهذه كلمة مهمة «ميوزاك» لاغراء الفتيات على الخضوع لهذه الاساليب بأمل المحافظة على شبابهن. لقد سمعنا الكثير عن اضرار «الاجهاد» على الصحة. ولكن عباقرة ميوزاك العصر الحديث يقولون بان الاجهاد يتلف البشرة. ولكبح ذلك لا بد من المواظبة على زيارة أخت من أخوات التلميع لدلك جسمها بمعجون الكرابيوليتد المعطر.

وكما نتوقع سادت هذه الأساليب وراجت في الولايات المتحدة، حيث يتوفر في جيوب النساء من المال ما لا يعرفن كيف يصرفنه، ومن السذاجة في رؤوسهن ما لا يصونهن من السخف في تصديق كل ما يقال لهن، بما فيه كل ما يقال لهن عن المسلمين والعرب والفلسطينيين. ولكن ماذا يهم؟ لقد كسبت صناعة العلاج العطري في أمريكا اكثر من 11 مليار دولار في السنة، وهو ما يتجاوز كل ما كسبته هوليوود من افلامها بكل ما ضمته من خرافات.