دائرة الديمقراطيين

TT

يبدو أن المقتل الاول للديمقراطيات في العالم العربي والاسلامي هو الحريات، حيث تتحول إلى حمل ضعيف يواجه ذئبا بدائيا، ففي الكويت يستمد بعض البرلمانيين حياتهم السياسية من مصادرة حقوق المرأة الانتخابية، ومنع حريات التعليم، ومنع الكتب والحفلات وفرض الرقابة على الإعلام ومحاكمة الكتاب. وفي إيران اليوم أول مطلب لمساندي الرئيس المنتخب احمدي نجاد ومن دفعه للفوز ديمقراطيا، عبر وسائل انتخابية كرد الجميل، هو تقييد بعض الحريات، متجاهلين أن المبادئ التي حملتهم للفوز لا تسمح ولا تقر مطالب سلب الناس حقوقهم.

المطلب الاول الملح الذي قفز على طاولة العمل السياسي للمرشح الذي فاز لأنه قدم أجندة تعد الفقراء ومتوسطي الحال بتوفير اللقمة الكريمة والعمل الشريف، وكأن الديمقراطية العربية هي في نهايتها طالبانية انقلابية ما حملت اسلحتها إلا لتصادر اللحى وتطيل الشادور الافغاني وتمنع الأجهزة الإعلامية من ممارسة الإعلام.

أما في السعودية فإن الناس لا تأتي على ذكر الديمقراطية، كرفض للحق المقدم على طاولة النقاش، إلا حين تأتي مطالبات النساء بمشاركة اوسع وتمكين من حقوق مشروعة تمنعها الاعراف والتقاليد أو منح التعليم افقا اوسع ليصبح تعلميا!

ترى لماذا الحريات هي الطريدة الاولى للديمقراطية، هل لان المشهد الديمقراطي هو مشهد مسرحي يدخل من باب الرياء ويخرج من باب آخر، يتمسكن بها حتى يتمكن ثم ينقلب عليها، هل لأن أعداء الحريات يعرفون أن الحريات هي العدو الأول لبقائهم، وأن جدول اعمالهم خال من العمل لأجل الناس ليصبح عملا ضدهم، لماذا لا تنشغل بعض البرلمانات العربية والاسلامية بغير جدول سلب الناس حقوقها بدلا من تمكينهم منها؟!

أما الأسوأ فهو الحجج التي تساق لتبرير هذا السلب حين يعترف كثيرون من الديمقراطيين الذين أول ما يعلنونه حين يجلسون على الكرسي المنتخب، هو أن الديمقراطية لا تناسبنا كشعوب ولا تصلح لنا ولسنا جاهزين لها، ويتناسون مسؤوليتهم والبقاء على قواعد تجهيلية وتسطيحية.

أحد الداخلين في دورة انتخابات ديمقراطية قال بعد فوزه، إن الديمقراطية فاسدة، فماذا لو أن الاغلبية وافقوا على زواج الشواذ هل نطيعهم بحجة أنه حكم اغلبية؟ في شتيمة لم ينتبه لها سامعوه وكأنه يقر بأن الاغلبية بلا فضيلة وبلا عقل وبلا أخلاق، وكان مستمعوه يهزون رؤوسهم، ناسين انهم الاغلبية التي فوزته، مقرين بأن الاغلبية هذه ما هي إلا شبح يختفي في الظلام يخوف بها الديمقراطي روبن هود الناس! رغم أن هذا التصريح يلغي شرعية وصوله للكرسي، يشجع البعض أن هؤلاء الديمقراطيين، يجب ان ينالوا حقهم اللاديمقراطي ويرضوا تجربتهم اللاديمقراطية لينكشفوا أمام الناس ويسقطوا، إلا أن المشكلة هنا مشكلتان، الأولى تعطيل الزمن الذي يعيشه الناس، والأمر الثاني هو تعطيل الديمقراطية نفسها وربما الغاؤها، ولهذا سمينا عالما ثالثا، ولهذا سمينا أصحاب خصوصية، فنحن تاريخنا خاص بمعنى أنه دولاب دائر، أحيانا يعود للخلف وأحيانا يعود للأمام عند نفس النقطة الأولى، لكنها لا تتقدم للأمام مطلقا، وعندما يقولون ستدور عليك الدوائر فهذا لا يعني انك ستركبها، بل ستدهسك فانتبه أن تدور عليك دوائر اللاديمقراطي!

[email protected]