هل هناك سجن حسن السمعة؟

TT

توجد محاكم عادلة ، لكن لا توجد سجون حسنة السمعة. فالسجانون لهم فلسفة مشتركة تعتبر السجون فنادق سيئة الخدمة. وغوانتانامو السجن خطط له ليكون فندقا مؤقتا، إلا ان السجانين طاب لهم المقام في هذه الجزيرة التي يقال انها ذات مشامس بحرية جميلة، وهو ما سبق ان عبر عنه وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ، الذي وقف امام كاميرات التلفزيون في داخل زنزانة مفتوحة السقف، واشار بيده قائلا: كم هو مكان جميل بطبيعته ، فلا الحر الشديد ولا البرد الشديد. وهذا صحيح لمن جاء مصطافا او وزيرا زائرا، لكن ليس لمن هو مربوط في قفص حديدي.

ما هو الخطأ الذي ارتكبه الاميركيون؟ المسجونون اعتقلوا في حرب معلنة، الخاسر فيها يقع أسيرا، كأي حرب أخرى.

جملة اخطاء بينها القانون والمكان والاشخاص، فالولايات المتحدة تعمدت نظاميا الا تسميهم أسرى حرب، لان طالبان والقاعدة ليستا دولتين معترف بهما دوليا. وتعمدت الا تسجنهم على الأراضي الاميركية، فأرسلتهم الى جزيرة كوبية مستأجرة، حتى لا يخرج عليها قاض يأمر بالافراج عنهم او بمحاكمتهم.

وبعد فحص النتيجة، التي مر عليها عامان، ثبت ان غوانتانامو صارت سجنا للحكومة الاميركية، لا العكس. لم يكن مفهوما لماذا رحلتهم خارج الأرض التي اعتقلتهم عليها، أي افغانستان. فسجون كابل الموروثة عن الشيوعيين والطالبانيين ستسعد اكثر السجانيين سادية. كما ان سلطات افغانستان هي في آخر النهار خاتم في الأصبع الأميركية، ولن تطالب بالاشراف او المحاكمة. ففي العراق لا يزال صدام واركان حكومته، وهم أهم من مساجين افغانستان كثيرا، يقبعون في السجون العراقية بمتابعة اميركية.

النظر الى اختيار غوانتانامو كسجن على انه اعلان عن سياسة التحدي، بما في ذلك تحدي القوانين الدولية التي تصنف المعتقلين وتضع ضوابط لمعاملتهم. وهذا أمر في غاية التعاسة للقانوني الاميركي الذي يدري ان احترام القوانين الدولية، بدل الانجرار وراء روح الانتقام من الخصوم ، فيه ضمانة أفضل للولايات المتحدة قبل غيرها. فتعطيل العمل بالقوانين الدولية، او الالتفاف عليها، يضر بالدرجة بدولة منتشرة في انحاء الدنيا مثلها، اكثر مما يضر بالطرف المهزوم، الذي لا مصالح عنده يخاف عليها، ولا يعترف اصلا بقوانين او غيرها. كانت اكبر الاخطاء عدم تأسيس محاكمات، وهي اول وابسط الواجبات على اي نظام شرعي، ذلك هو الذي يفصله عمن لا شرعية له دوليا.

والناس رأت في غوانتانامو كسجن قبيح السمعة، على انه رسالة سياسية اكثر من كونه محل احتجاز واستجواب. فقد كان بامكان واشنطن احتجازهم قانونيا على اراضيها واستجوابهم ومحاكمتهم. وكان بامكانها ان تبقيهم في سجن بمواصفات سجون العالم الثالث في افغانستان. والخيار الثالث كان بامكانها ان تسلم المسجونين الى بلدانهم ، التي على الأرجح ستقوم بالمهمة نفسها، ولا يوجد في سجونها تلفونات بكاميرات، ولا ضباط يسربون معلومات للصحافة، والسجناء فيها يتوفون بالسكتة القلبية المفاجئة. واشنطن لم تفعل، واحتفظت بهم في سجن غريب، فصارت سجينة معهم في الاعلام الدولي، مع رسالة سيئة للعالم.

[email protected]