سوريا إلى العراق لتخفيف الضغوط

TT

قد يكون هناك امران يشغلان بال الحكم في دمشق، والاثنان خطران. اذ انه مع كل عناصر الضغط الاميركية على النظام السوري، فإن دمشق تتخوف اولاً، من نتيجة التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ويقلقها ثانياً تحولها الى ممر عبور للإسلاميين الراغبين بالقتال في العراق، ذلك أنهم باتوا يقيمون خلايا فيها، وهي ترى أنه كلما تعرضت لضغوط أكثر، كلما شعر الإسلاميون بأن ارضها ستصبح خصبة لهم، ويقول بعض المراقبين إن الصدامات الأمنية مع الإسلاميين في ازدياد، وإن مجموعة الـ 35 الأخيرة التي وقع الصدام معها، لم يكن عناصرها متوجهين الى العراق، بل الى منطقة الضنية في طرابلس شمال لبنان، ويرى هؤلاء المراقبون أنه كلما ازدادت محاولات إضعاف سوريا، زاد الخطر الإسلامي المتطرف.

لذلك ليس من المستبعد أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد قد أرسل برقية تهنئة الى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بمناسبة الرابع من يوليو (تموز) عيد الاستقلال الأميركي، ذلك أن تبادل برقيات التهنئة لم يتوقف إطلاقاً بين البلدين، فالرئيس الأميركي أرسل برقية تهنئة هو الآخر في السابع عشر من نيسان الى الرئيس السوري بمناسبة عيد الجلاء.

ربما لا تدخل هذه البرقيات في إطار تخفيف الضغط الأميركي على سوريا، لذلك هناك بحث عن وسائل او طرق أخرى، ولأن الوضع الأمني في العراق لا يسمح للرئيس السوري بزيارة بغداد، كإشارة من سوريا على أنها تدعم النظام العراقي الجديد المدعوم أميركيا صارت تجرى لقاءات بين سياسيين سوريين وعراقيين في عدة دول اوروبية، ينقل عبرها العراقيون الى نظرائهم السوريين غضب الإدارة الأميركية على دمشق، إنما يشكون في الوقت نفسه من ان المسؤولين العراقيين في الحكم يشعرون دائماً بان المسدس موجه الى رؤوسهم، ولا يدرون من سيضغط على الزناد اولاً، هل هم الثوار، من متمردين وإسلاميين عراقيين وغرباء، او أن الأميركيين سيضغطون اولاً. وسط هذه المعلومات يرى مصدر سوري أن أقصى ما يمكن آن يحصل، في إطار الزيارات، هو قيام وزير الخارجية السوري بزيارة الى العاصمة العراقية أياً كان ذلك الوزير! الى جانب هذه اللقاءات، وحسب مصادر سورية مطلعة، تبذل دمشق جهدها لمصالحة العراقيين من جهة والتنسيق من طرفها مع الحكومة العراقية بما فيها الجهات الأمنية. إذ تعتقد دمشق أنها قادرة على لعب دور إقليمي، بعكس ما يقوله الأميركيون او تعمل عليه إدارة الرئيس بوش، إي افهام الرئيس السوري بالاكتفاء بأن يكون رئيس سوريا فقط. وتعتقد دمشق في محاولاتها تخفيف الضغوط عنها، بأنه إذا قامت بدور إقليمي إيجابي، فسيصعب على الأميركيين الاستمرار في معارضة دور سوري بناء. وتشرح المصادر السورية وجهة نظر دمشق الى ما يجري في العراق، فهي ترى أن العراقيين إما خائفون من نفوذ ايران الدولة الكبيرة، أو خائفون من الهيمنة التركية، ولا يعتبرون أن هناك خطراً يحدق بهم من الكويت او من الأردن الدولتين الصغيرتين. أما سوريا فإنها تجد نفسها في هذا الإطار بمثابة الأخ الأصغر، وهي في الأساس دولة سنية إنما تربطها أفضل العلاقات مع الشيعة ومع الأكراد العراقيين، ويمكنها بالتالي كما ترى، لعب دور بناء في المصالحة الوطنية، وتستطيع في الوقت نفسه أن تضغط بطريقة غير مباشرة على كل الأطراف داخل العراق، فهي كما تؤكد المصادر العليمة على علاقات جيدة مع الجميع بما فيهم المقاومة، باستثناء الإسلاميين من غرباء وسنة عراقيين متشددين، وتنطلق بفكرتها من أنه إذا نجحت في جهود المصالحة، يمكن عندها عزل المتشددين، لأن ما يجعلهم قادرين على الحركة والقيام بإعمال إرهابية عدم وجود من يشي بهم الى الأجهزة الأمنية.

لكن ماذا في استطاعة سوريا عمله مع الدور الإيراني في العراق، خصوصاً ان إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي يعتبر لدى بعض العراقيين بأنه اكثر إيرانية منه عراقياً؟ تنقل المصادر عن دمشق تفكيرها بأنها تريد ان تكون كمن يدير الحوار والتنسيق ما بين الاطراف الإيرانية، ومقتدى الصدر، وعبد العزيز الحكيم، وجلال الطالباني، والبعث العراقي، والقوميين العراقيين... إن مثل هذه الطروحات رددتها دمشق سابقا، لكن الاميركيين لم يعيروا الاستعدادات السورية أي أهمية، فهم لا يتعاملون حسب النوايا، لذلك نصح البعض دمشق، بوقف مطالبة الاميركيين بتقديم الأدلّة على تورطها في العراق، وبدلاً من ذلك أن تُقدم هي على أخذ مبادرات، خصوصاً إذا كانت تريد ألاّ تستمر واشنطن في تجاهل أهميتها كتقاطع طرق، ويبدو أن الذي ساعد سوريا على التوجه الجديد كان نظرة تركيا لها كحليف، و«لأنه لا يمكن رؤية ما يُسمى بـ «المحور الشيعي» من دون رؤية «المحور السني»، ومن يقف في الوسط غير سوريا.

ولإظهار انها أخذت بتلك النصائح، يصل اليوم الى دمشق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكان من المبادرات التي تقول دمشق إنها أقدمت عليها، انها «فتحت»، كما يقولون، على محمود عباس طالما أن المطلوب هو جمع الفصائل الفلسطينية وراءه، كي يتسنى له إدارة مفاوضات سلام جيدة، وتشير المصادر السورية الى أن الإسرائيليين هم الذين يضعون العراقيل في طريق عباس وليس دمشق، ولأن الأميركيين يتهمونها بأنها ضد خريطة السلام، فهي تريد ان تثبت عكس ذلك، لا بل أنها تؤيد خريطة الطريق، وتؤكد المصادر بأن سوريا ساعدت محمود عباس في اتصالاته مع فاروق القدومي، وتساعده في اتصالاته مع الاطراف الفلسطينية الأخرى، كما انها تريد ان توضح للجميع، بأنها هي القادرة على مصالحة الفلسطينيين مع بعضهم وليس مصر.

قد تكون هناك دوافع أخرى للانفتاح السوري الجدي الأخير على السلطة الفلسطينية، إذ من الملاحظ أن إسرائيل صارت أقل عدوانية من الولايات المتحدة تجاه سوريا، فيما توحي إسرائيل وكأنها تتصرف لكسر ظهر سوريا، بينما في الحقيقة لا تريد أن تنتشر الفوضى في كل المنطقة، بحيث تخرج عن السيطرة مما لا بد أن يؤثر عليها، إنها لا تريد إغراق السفينة كلياً.

واضافة الى العراق والمنظمات الفلسطينية، يبقى بين الضغوط الكثيرة على سوريا تنفيذ القرار الدولي 1559، ويقول العارفون أنه ليس هناك من ضغوط على سوريا لتطبيق ما بقي من بنود ذلك القرار، إنما هناك ضغوط على دمشق كي لا تضع العراقيل، كأن تتصل بالإطراف المعنية وتجيّشها لرفض القرار، وتسود قناعة في دمشق بأن بقية القرار الدولي لن تُطّبق، إذ كيف سيُطلب من فرنسا بعدما تخلصت من الوجود السوري في لبنان، وتوفر لها إعادة نفوذها أن تقول للبنانيين إنه لن تكون هناك باريس 3 ، إلا إذا قضوا على حزب الله ونزعوا أسلحته؟»، وحسب النقاشات التي تدور في دمشق بين الإصلاحيين، فإن حل مشكلة حزب الله بنظر سوريا هو كالتالي، ان تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا، وأن يصدر ضمان دولي يحمي الحدود اللبنانية ولبنان، وموّقع من الدول الكبرى، عندها لا يعود هناك أي مبرر لحزب الله بالإبقاء على سلاحه، أما اتفاقية الهدنة فإنها غير كافية، لأن أكثر ما تقوم به هو قرار من مجلس الأمن يجيء فيه، إن اتفاقية الهدنة خُرقت، في حين أن لبنان، كما يرى هؤلاء الاصلاحيون الذين يريدون إزاحة عبء حزب الله عن سوريا، يحتاج الى التزام من الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا والصين، يفرض على إسرائيل ان لا تعبر الحدود اللبنانية طالما أن لبنان لا يعتدي عليها، عندها سيصعب على حزب الله ايجاد أي تبرير لإبقاء اسلحته.