ليست مزحة: شاهد عيان على أفق الاستثمار في غزة

TT

كنت أتناول القهوة في فندق غزة يوم السبت الماضي، مع مجموعة من رجال الأعمال الفلسطينيين والمصريين، عندما أعطاني أحد الفلسطينيين، بين الجد والهزل، فكرة عن رمح الانطلاقة، قالها: «نابلس». فسوق الأوراق المالية الفلسطينية، التي تقع في مدينة نابلس بالضفة الغربية، قد ازدهرت بسرعة خارقة منذ أن بدأ وقف اطلاق النار بين اسرائيل والفلسطينيين في فبراير الماضي. وبوسعكم ان تدققوا الأمر من خلال «بالتيل»، شركة الهواتف الفلسطينية. انها نشيطة شأن «غوغل» تقريبا. ليس لديك وسيط في نابلس فيما ظل الأمر يبدو مغامرة الى حد ما؟ لا توجد مشكلة. ودققوا سوق الأوراق المالية في تل ابيب، انها ازدهرت أيضا منذ وقف اطلاق النار وقرار اسرائيل بالانسحاب من غزة.

وهذا الازدهار المتزامن في الأسواق المالية الاسرائيلية والفلسطينية يلقي الضوء على واحدة من أهم الحقائق التي واجهتها أثناء رحلتي الى اسرائيل وغزة والضفة الغربية: زخم من الارتياح بحيث ان كلا الطرفين وجد سبيلا، ولو مؤقتا، لايقاف الدورة المجنونة للتفجيرات الانتحارية الفلسطينية وأعمال الانتقام الاسرائيلية التي شوهت الحياة اليومية هنا كلية. والأمر بسيط تماما، فالاسرائيليون والفلسطينيون يتمتعون حقا بهذا الهدوء بعد أربع سنوات من الدمار المتبادل. ومرة أخرى تمتلئ المطاعم في رام الله بالزبائن. ويعيد أصحاب الفنادق في غزة طلاء قاعات الانتظار. ومرة ثانية يغمر السياح اسرائيل.

وما من زعيم أو حزب يستطيع تجاهل رغبة الناس في استمرار هذا الهدوء، حتى حماس. وكما قال لي غازي حمد رئيس تحرير صحيفة حماس «الرسالة» فان «أحد أسباب موافقة حماس على وقف اطلاق النار هو منح الناس فرصة لالتقاط النفس والاستراحة».

أما الحقيقة الأخرى البالغة الأهمية فتتمثل في أن اسرائيل ستبدأ الانسحاب من شريط غزة أواسط أغسطس.

وهذا الانسحاب الوشيك وتفجر الرغبة المقموعة بالتطبيع بين الاسرائيليين والفلسطينيين، يشكلان أساس اعادة بناء عملية السلام المتداعية. وتلك أنباء سارة. أما الأنباء غير السارة، فهي أنه على الرغم من أن هذا الانسحاب الاسرائيلي هو من طرف واحد، فانه لكي يحقق السلام الذي يريده الطرفان فانه يتطلب سلسلة من الاتفاقيات المعقدة حول كيفية صلة غزة باسرائيل وبقية أنحاء العالم. وما تزال تفاصيل كثيرة لم تعد بصورة كاملة حتى الآن.

وهناك بضع قضايا لم يجر التوصل الى حل بشأنها، مثل الجهة التي من المفترض ان تسيطر على منطقة الحدود بين غزة ومصر لمنع دخول الاسلحة والإرهابيين والبضائع المهربة، وهناك ايضا قضية الوضع القانوني لغزة، ثم هل ستؤكد الامم المتحدة الانسحاب الاسرائيلي من غزة، كما انسحبت من لبنان، لتكون هناك حدود دولية معترف بها تشكل ما وصفه آري شافيت الكاتب الصحافي بجريدة «هآرتس»، بـ«الجدار الخفي للشرعية الدولية». ثمة سؤال آخر: كيف سيجري تفتيش الشاحنات التي تحمل بضائع من غزة الى اسرائيل؟ وما هي الخطوة المقبلة؟

الإجابات على هذه الاسئلة ستحدد ما اذا ستكون غزة مفتوحة بالفعل أمام العالم، كما ستحدد ايضا ما اذا ستكون نقطة انطلاق لدولة فلسطينية حقيقية ان تصبح سجنا كبيرا.

عدم حل شارون لهذه القضايا بنفسه، من ضمن الأسباب وراء عدم التوصل الى حل حولها. لدى شارون النية للانسحاب، وهذه خطوة ايجابية، بيد انه لم يتضح بعد ما اذا سيمضي فيه قدما.

وأخيرا، اذا كان الانسحاب من غزة سيحدث على نحو يضع الأساس لتسوية أوسع، وهو أمر ممكن، فإن ذلك سيتطلب وسيطا وضامنا وضغطا من جانب الولايات المتحدة على أعلى مستوى.

كوندوليزا رايس لم تفعل أكثر من زيارات خاطفة حتى الآن. فهي في ما يبدو لن تنجح في الإفلات من الفشل، كما انها لا تدرك مدى الأهمية والفائدة المعنوية للقبول الاميركي على مستوى عال لرغبة الاغلبية الاسرائيلية للانسحاب من غزة، بالإضافة الى المساعدة على إجراء الانسحاب بصورة صحيحة، فربط كل القضايا، التي لم يجر التوصل الى حل لها، ببعضها بعضا سيعزز من موقف أميركا في هذه المنطقة في هذا التوقيت المهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»