انتخابات إيران وعربة «تشيخوف»

TT

كلما نقرأ قصة قصيرة من انطوان تشيخوف، كبير روائيي روسيا، في نهاية أية قصة، نواجه أمرا غريبا ومؤثرا جدا. كأنه لا يمكن الفرار من إطار غرابة القصة وهيمنة النتيجة. نتفكر في آخر لوحة وكيفية اختتام القصة ونعيش فيها أو معها.

قصة انتخابات الرئاسة في إيران، لها أبعاد مختلفة ومتعددة، لكن بالنسبة للنتيجة تكون مثل إحدى قصص تشيخوف، وهي قصة «سارق العربة والمفتشون».

سارق العربة كلما أراد أن يدخل المدينة، توقفه الشرطة والمفتشون في باب المدينة ويسألونه أسئلة كثيرة، ويتفحصون كل الأشخاص والأشياء التي قد تكون في العربة. وبعد فترة قالوا له: يا صاحب العربة، ادخل المدينة بسلام، لأنه ليس في عربتك أي شيء مسروق أو أي شخص مشكوك فيه أنت رجل طيب، سوف ندخلك.

صاحب العربة يغنّي ويدخل المدينة ويسر في نفسه ويقول في ذاكرته: عجبا كل العجب من الشرطة والمفتشين، لا يدركون أن العربة نفسها مسروقة، إنهم يفتشون داخل العربة!

كما يُقال «حفظت شيئا وغابت عنك أشياء».

* الديمقراطية الأميركية تتكئ وتستند الى الأصوات وليس إلى أمر كيفي، يستند إلى آراء النخب.

نخب أو فلاسفة أو مفكرون أو روائيون أو فنانون أو صحافيون، نخب مجمعة على أن النتيجة ستكون لصالحهم. وأظهرت تبرماً استثنائياً بكل رأي مخالف وصوّرته بأنه يعبّر عن أهل الكهف الذين يعيشون في العصور الوسطى.

نخب تصوروا وزعموا بأن كل من لديه الفكر يجب أن يملك الأصوات، النتيجة ثبتت أن الفكر يختلف تماماً عن الصوت.

يمكن أن نقول إن النخب في إيران في سائر البلاد، يعيشون أو يتحصنون في الأبراج. وأما الشعب فيعيش على الأرض، ارض الواقع، والواقع يفرض سيطرته ويظهر إرادته في النتيجة.

* رفسنجاني ركز جهده وشعاراته على الأفق البعيد والعقود المقبلة، تحدث عن خطة تنموية لمدة عشرين سنة.. وأما أحمدي نجاد، فركز جهده وشعاراته على الحال وفي الحال، وتحدث عن الفقر والفقراء والمعيشة والبطالة والظلم والفساد.

رفسنجاني تخاطب مع النخب، ومنافسه خاطب الفقراء أهل الريف، رجال الأعمال، المساكين، الذين يحسون الفقر والجوع والفساد في عمق وجودهم وصميم قلوبهم.

ان المواطن وجد نفسه، يدلي بصوته الى من بدا له أقرب إلى مشاكله اليوم.

* رفسنجاني كان مدافعاً عن الثورة وإنجازاتها ونظام الحكم من بداية الثورة حتى الانتخابات الرئاسية. ومنافسه هاجم وانتقد، موجهاً نقداً عنيفاً إلى أسلوب الإدارة، خاصة في العقدين الماضيين. كما أشار رفسنجاني لهذا الأمر في بيانه الأخير.

* هنا نكتة غريبة، تتمثل بأن احمدي نجاد من جهة يدافع عن الثورة، ومن جهة اخرى يتحدث عن الفقر والفساد والارتشاء، بعد أكثر من خمس وعشرين سنة من بداية الثورة.

هل يمكن لنا ان نفرق بين الثورة وبين إدارة ايران؟!..

آية الله خامنئي، هو مرشد الثورة لأكثر من ست عشرة سنة، وكان رئيس الجمهورية لمدة ثماني سنوات، و..، و..، إذن كيف يمكن أن نفرق بين الثورة وإدارة الحكم؟!

هل الثورة وإدارة الحكم هما وجهان لعملة واحدة؟

آية الله خأمنئي في لقاء مع رئيس السلطة القضائية، قال: إن شعب إيران في انتخابات الرئاسة ركّز على الحقيقة والعدالة.. كيف يمكن، بعد مضي هذه السنوات العديدة من الثورة، أن يأتي منافس ويركّز على الفقراء والمساكين والظلم؟!

كيف يمكن أن نحل هذا التناقض؟.

* رفسنجاني وصف حكومته في مرحلة أولى، بأنها: حكومة البناء.. وخاتمي وصف حكومته بأنها حكومة إصلاحية.

فهل يمكن أن نقول إن حكومة نجاد حكومة ولاية الفقيه؟!

بكل عيوبها ومميزاتها، حكومة تستند في مرحلة اولى، الى حماية مجلس صيانة الدستور والحرس الثوري وميليشيات «البسيج» والسلطة القضائية.. احمدي نجاد يغنّي، ويدخل عربة القدرة في المدينة الرئاسية.

* وزير الثقافة الإيراني السابق