العرب تجاه العراق: العين بصيرة واليد قصيرة!

TT

الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري، بعد اختطاف السفير المصري في بغداد إيهاب الشريف وقتله، وطلب فيها من «الأشقاء العرب» مساعدة العراق ودعمه تستحق التلبية فالعرب عندما يهبون لنجدة هذا البلد الشقيق الغارق في الدماء والمآسي حتى «شوشة» رأسه فإنهم في حقيقة الأمر يدافعون عن أنفسهم فمن لا يبادر للمساعدة في إطفاء الحريق الذي يأكل منـزل شقيقه المجاور سيجد النيران وقد وصلت بالتأكيد الى قلب منـزله.

إن هذه مسألة لا نقاش فيها ولا جدال حولها لكن المشكلة هنا هي: هل يستطيع العرب، وقد تطورت الأمور في العراق حتى بلغت هذه الحدود المأساوية، ان يفعلوا الآن ما كانوا قادرين على فعله قبل عامين..؟!

عندما أخذ الإرهاب يضرب العراق من أقصاه الى أقصاه، بعد الهدوء الذي استمر لنحو ثلاثة شهور، كان المطلوب من الدول العربية المجاورة والمحاددة، ان تضبط حدودها وان تمنع الإرهابيين من التسلل الى عمق الأراضي العراقية، وكان هذا الطلب محقاً لأن بعض حدود الدول المجاورة كانت مفتوحة على مصاريعها، ولأنه كان هناك من بقي يُسهِّلُ مثل هذا التسلل والتسرب تحت عنوان ضرورة إغراق الأميركيين في أوحال نهري دجلة والفرات من قبيل الدفاع الإيجابي.

كانت معظم القوى العراقية، التي قفزت الى مواقع المسؤولية بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط نظام صدام حسين، تستسهل الأمـور وكانت ترفض مبدأ وفكرة «تعريب» أزمة العراق، والمقصود بالتعريب الذي كانت ترفضه هذه القوى، كلها أو بعضها، هو قيام الجامعة العربية بالدور الذي كانت قامت به في الكويت، عندما أرسلت في مطلع ستينات القرن الماضي قوات عسكرية لحماية هذا البلد العربي، مما كان يهدده به نظام عبد الكريم قاسم، ولطمأنة الكويتيين وتوفير البديل كي لا يستنجدوا بأي قوات أجنبية.

والحقيقة أنه وحتى وإن كانت لدى قوى المعارضة العراقية التي قفزت الى مواقع المسؤولية، الوهمية والحقيقية، بعد انهيار النظام السابق الرغبة في استبدال القوات المتعددة الجنسيات بقوات حفظ سلام عربية فإنه لم تكن لديها القدرة على تحقيق هذه الرغبة لأن صاحب القرار كان الحاكم الاميركي ولأن القوات الاميركية المحتلة لم تكن تريد ذلك وهي ربما لا تزال لا تريده.

ثم وإن العرب من جهتهم، بجامعتهم ودولهم، لم يكونوا مؤهلين وهم لازالوا غير مؤهلين، لأن يلعبوا في العراق الدور نفسه الذي كانوا لعبوه في الكويت في مطلع ستينات القرن الماضي. فالأزمة العراقية بتداخلاتها وتعقيداتها تختلف اختلافا جذرياً عن الأزمة الكويتية المشار إليها، والموقف العربي الموحد الذي كان بالإمكان توفيره قبل نحو أربعين عاماً من المؤكد انه من غير الممكن توفيره الآن بالنسبة لأزمة العراق المتفاقمة والأسباب هنا كثيرة ومتعددة.

لقد حاول بعض العرب وفي مقدمتهم الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله الرحمة الواسعة، قَطْع الطريق على الاحتلال وعلى كل هذه المآسي التي تضرب العراق بعنف ودموية من خلال السعي لإقناع صدام حسين بالتنحي عن الحكم على أساس مساومة عنوانها «لا يجوع الذئب ولا تفنى الغنم» لكن كل تلك المساعي التي اتسم بعضها بالتردد والخجل لم يكتب لها النجاح والحقيقة أنه لم يكن متوقعاً لها النجاح بوجود ديكتاتور أحمق كان يرى انه أهم من العراق ولديه الاستعداد للتضحية بالشعب العراقي كله من أجل الحفاظ على حكمه ونظامه.

هذا بالنسبة لما قبل الاحتلال أما لما بعد الاحتلال فإن المعروف أن الأميركيين، الذين كانوا هم أصحاب القرار الفعلي والذين في يدهم الحـَوْلُ والطَّوْل فهم لم يكونوا يريدون من الدول العربية المجاورة والبعيدة أكثر من ضبط حدودها وإغلاقها أمام تسرب الإرهابيين نحو الاراضي العراقية، ولم يكونوا يرغبون بأكثر من مساندة السلطة العراقية الناشيءة بتدريب بعض الوحدات الأمنية، والاعتراف بهذه السلطة والوقوف معها والى جانبها في المحافل الدولية.

والآن وقد غدت الاوضاع أكثر تعقيداً وصعوبة فإنه غير معروف كيف بإمكان العرب ان يهبوا من خلال الجامعة العربية أو من خارجها لنجدة دولة شقيقة باتت تغوص في الدماء حتى العنق.. ما هو الشيء الممكن تقديمه أكثر من ضبط الحدود ومنع الإرهابيين من التسرب عبرها لزرع الموت والخراب والدمار في القرى والمدن العراقية وأكثر من إرسال السفراء الى بغداد الذين من المحتمل جداً ان يكون مصيرهم كمصير السفير المصري الذي رغم أنه يمثل الدولة العربية الأكبر إلا أنه انتهى الى تلك النهاية المأساوية المرعبة ؟!.

لقد عقدت الدول العربية والإسلامية المجاورة للعراق سلسلة من الاجتماعات التي تنقلت بين عواصم هذه الدول كلها ولقد توقفت كل القمم العربية التي انعقدت بعد التاسع من إبريل (نيسان) عام 2003 عند القضية العراقية المتفاقمة وأعطتها ما أعطته للقضية الفلسطينية لكن الأمور بقيت تتصاعد من سيىء الى أسوأ وذلك لأن العرب كانوا ولا زالوا غير مؤهلين لأي تدخل فعلي وجدي في بلاد الرافدين ولأن الأميركيين الذين هم أصحاب القرار الفعلي، في السابق واللاحق، لا يريدون اكثر منع التسلل عبر الحدود وأكثر من التواجد الدبلوماسي العربي «الديكوري» في العاصمة العراقية. إن ما يجب إدراكه ومعرفته والتأكد منه هو ان العرب لم يعودوا يملكون خيار تعريب الأزمة العراقية كما ملكوا في مطلع ستينات القرن الماضي خيار تعريب الأزمة الكويتية، فالعراق الآن يواجه حرباً أهلية يفرضها عليه أنصار وأتباع النظام السابق، ومع هؤلاء كلهم الإرهابيون المقبلون من كل بلدان الكرة الأرضية، وهذا يعني أنه من المتعذر جداً توفير فترة هدوء تستطيع خلالها قوات حفظ سلام عربية، إن في إطار الأمم المتحدة أو خارج هذا الإطار، الحلول محل القوات المتعددة الجنسيات إن بالتدريج وإن دفعة واحدة.

لم يعد هناك أي خلاف حول ان هدف الإرهابيين هو منع قيام دولة بديلة للدولة السابقة، ولهذا فإن المؤكد ان هؤلاء الإرهابيين سيستهدفون أي دور عسكري عربي كاستهدافهم للدور العربي الدبلوماسي وكاستهدافهم أيضاً لقوات الشرطة العراقية وللقوات المتعددة الجنسيات، وهذا يجعل الدول العربية المترددة أكثر تردداً ويجعل العرب لا يجدون ما يقولونه لأشقاء لهم تحرقهم ألسنة النيران وتحــرق أطفالهم وممتلكاتهم سوى: «العين بصيرة واليد قصيرة»!