أتعس خطابات في التاريخ!

TT

لن أنسى أربعة خطابات مزقت قلبي.. أو مزقتني.. وجعلت نصفاً مني يتلقى العزاء من النصف الآخر. كيف حدث ذلك ولم تتساقط نجوم السماء؟

خطاب بعث به أستاذنا العظيم عباس العقاد إلى المحامي لطفي جمعة يطلب منه صدقة.. حسنة.. أن يساعده وألا يكسفه كما فعل الآخرون!

يا ساتر.. أعوذ بالله.. من الذي يطلب! إنه أعظم مفكر عربي.. مال عليه الزمن ومال به وامتدت عيناه ولسانه ويداه. ولكن أحداً كأنه لا سمع ولا رأى!

والخطاب الثاني الذي بعث به أستاذ الصحافة الحديثة محمد التابعي إلى أحد الزملاء.. وكان التابعي هو الرشاقة والأناقة والأبهة.. لم يكن يملك الكثير ولكنه يملك الرغبة في الكثير.. مثلا في عيد ميلاد إحدى صديقاته استأجر لها عربة قطار. وليكن ما يكون. أما الذي كان فهو أنه أفلس ومد يده لمن يستحق ولمن لا يستحق. وفي آخر أيامه كتب ما لا يمكن لإنسان أن يتحمله. سأل ولكن أحداً لم يعطه!

والخطاب الثالث هو الذي كتبه المفكر العربي الكبير أبو حيان التوحيدي في آخر كتابه «الإمتاع والمؤانسة».. إن الذي قاله أبو حيان فوق احتمال البشر.. يقول للوزير: أرجو إذلالي بعطفك، أرجوك استعبادي بفلوسك.. أرجو.. أرجو. كتب أروع عبارة في أتعس غاية. إن الأدب العربي يجب أن يخجل وأن يهيل التراب على كل ما أبدع. فشلُ أبو حيان التوحيدي لا يستحق هذا الهوان!

الخطاب الرابع هو الذي كتبه الصحفي الكبير مصطفى أمين في ستين صفحة وهو في السجن بتاريخ 25 أغسطس سنة 1965 للرئيس عبد الناصر. يقول فيه: إن كل ما فعلته كان بموافقتك وبإذن منك.. وإنني حصلت لك ولبلادي على أسرار لم يكن أحد يتصور أنني قادر عليها لولا تشجيعك المستمر.. وذكر قصصاً وحكايات عجيبة. كل ذلك بعلم الرئيس وبموافقته. إلا حكاية واحدة اعتذر عنها مصطفى أمين، فقد تصور أنه فعل بالضبط ما يريده الرئيس. ولكن الرئيس عبد الناصر تألم وانطبقت عليه الآية القرآنية الكريمة: «إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء». وأشرك مصطفى أمين عندما فكر وتصرف من تلقاء نفسه.. أي أشرك مصطفى أمين فيما يخص جمال عبد الناصر.. وهو خطاب حزين يوجع قلبك.

كانوا جميعاً تعساء لأسباب مختلفة!