اللص الظريف

TT

كنت ارى في طفولتي سلسلة من روايات الجيب البوليسية بعنوان ارسين لوبين «اللص الظريف». والآن في كبري اخذت ارى هذا اللص الظريف في شتى مجالات عالمنا العربي. اذهب لندوة عن الاصلاح او حقوق الانسان او مكافحة الجريمة فأرى بين المشاركين على المنصة واحدا او اكثر ممن ادينوا بالسرقة او اتهموا بها او طردوا من وظائفهم او هربوا من ديارهم بسببها. اقرأ عريضة وطنية عن الديمقراطية ومحاربة الارهاب فأجد بين الموقعين مثل ذلك من الشخصيات. المفروض عندما تلصق مثل هذه التهمة بشخص ان يبادر بالانسحاب والتواري عن الانظار. ولكن الظاهر ان القول العربي اذا بليتم فاستتروا يصح في كل العالم الا عالمنا، فأرسين لوبين العربي شخصية مرموقة لها كلمتها ومكانتها وتسند اليها اعلى المناصب الوزارية.

لهذه الظاهرة العربية الاصيلة جذورها التاريخية والانثروبولوجية. شحة الطعام فرضت على الناس السلب والنهب الذي اعتبره عرب الجاهلية طريقة صحيحة ومحترمة وبطولية. ورغم ان الاسلام حرمها فقد بقيت وانتشرت. انظروا ما جرى في دارفور والعراق. نحن نحتقر الفقير والمفلس الشريف. ونعير الفاشل والضعيف بأنه «لا ملاك ولا زراع ولا حواف» والحواف في لهجتنا هو الحرامي. من لا يحوف ليس برجل. السرقة مرجلة. اروع شخصية في الادب العربي هو علي بابا. وقد بدأ الجنود الامريكان يطلقونها على المسؤولين العراقيين. وهذا يذكرني بسيدة انجليزية قدمتني لطفلها كعراقي ولم يفهم، ثم كعربي ولم يفهم. اخيرا قالت له هذا علي بابا، ففهم وظل يسميني علي بابا الى اليوم. ولكن ويا للاسف علي بابا بدون اربعين حرامي! هذه الخلفية هي التي جعلتنا نتساهل في امر السرقة والسراق. انها جزء من تراثنا. نسمع اثناء خطبة امرأة كيف يعظمون لها شأن الخطيب فيقولون انه موظف راتبه خمسون دينارا ولكنه يطلع براني ما لا يقل عن مائة دينار في الشهر.

السرقة جزء من تراثنا وعلينا ان نتكيف مع هذه الحقيقة. المطلوب ضم السرقة لقائمة حقوق الانسان العربي ينبغي تدريسها في المدارس. انها الطريقة المثلى والمضمونة لكسب العيش وجمع الثروة. بل واكثر من ذلك على طالب الوظيفة ان يرفق بطلبه كشفا بالسرقات التي قام بها كدليل على كفاءته ومدى خبرته. عليه ان يأتي بشهادة من مديرية التحقيقات الجنائية بمحكوميته.

ولكنني انتقد الحرامية على تقاعسهم. بدلا من اضاعة وقتهم في الدفاع عن انفسهم والسعي لرد التهم العالقة بهم. اعتقد ان الاولى بهم شن حملة لتطبيع السرقة والاعتراف بها وتمجيدها كجزء من التراث العربي ومطالبة الأمم المتحدة بإضافة حق السرقة للائحة حقوق الانسان.