صفقة وتعليق

TT

ياسر القحطاني لاعب كرة قدم سعودي، شغل المجالس والصحافة، بسبب المزايدة على قيمة انتقاله من ناد إلى آخر، حتى وصلت العروض الخاصة بذلك لمبالغ غير مسبوقة على المستوى المحلي. وكان الحديث في هذا الشأن هو عن حجم «الصفقة» ومدى جدواها للنادي وللاعب وإمكانية تنفيذها. وكانت مفاجأة المتابعين لهذه القصة، تعليق مفتي البلاد في خطبة الجمعة على هذا الموضوع، واعتراضه على ما يحدث، معتبره نموذجا من نماذج التبذير.

والواقع أن هذا يفتح باب التداول في أمر تسعير السلع والخدمات بصورة عامة، ومتى تصبح جشعا وتبذيرا، ومتى تكون خاضعة لظروف العرض والطلب. فإذا كان ياسر القحطاني، وهو اللاعب المحترف، قفز سعره إلى حدود غير معقولة، أفلا ينطبق ذات الشيء على أسعار الأسهم في البورصة السعودية، وكذلك على قطع الأراضي التي تباع في مزادات عامة وبالتالي يعتبر ذلك جشعا وتبذيرا؟

ظاهر الاعتراض على ما يحدث في شأن الصفقة الاحترافية يبدو أنه بسبب «ارتفاع» السعر و«المضاربة» عليه، ولكن ذات الشيء يتم في الكثير من المجالات الأخرى، وفي أكثر من موقع، ويعتبر الوضع حينئذ أنه يقع ضمن تجاذب وتغيرات السوق وتبعياته.

ولقد أعطى رأي المفتي في هذا الشأن، الذي بات شأنا شعبيا، بعدا جديدا لم يتم التطرق إليه من قبل، وهو يفتح المجال للحديث عن سياسات التسعير ومدى ملاءمتها والمسؤولية الاجتماعية. فإذا تدخلت هيئة الاتصالات لتحديد السياسة التسعيرية لخدمات الهاتف الجوال ما بين الشركتين المقدمتين للخدمة، فهل يستوجب على اتحاد الكرة التدخل لفعل نفس الشيء في صفقات اللاعبين؟ أم يترك لحرب أسعار كما يحدث بين شركات الألبان؟ أم كتكتل كما يحدث بين شركات الاسمنت لفرض السعر لاحقا على المستهلك واستغلاله عيانا بيانا؟ التعليقات لا تزال مستمرة على الموضوع وأبعاده، ولعله يكون فرصة لقراءات جديدة في كيفية إيجاد روح توافقية وعصرية لقرارات تقليدية.

انه حالة ما بين فقه سد الذرائع وفقه الواقع، فما هي الذرائع التي يجب سدها وما هو الواقع الذي من المفروض وضعه في الحسبان؟ أسئلة كثيرة يتداولها الجميع وبوعي جاد. من الممكن تحويل صفقة ياسر القحطاني من موضوع يتم تداوله على صفحات الرياضة فقط إلى موضوع يناقش ويقدم حلولا على صفحات الدين والاقتصاد والاجتماع. ورب صفقة نافعة!

[email protected]