أجراس ضد النسيان : ذكرى سريبرينيتسا .. يا له من فصل مظلم

TT

احتفل العالم أجمع يوم الاثنين بالذكرى العاشرة لمذبحة سريبرينيتسا، وكان لي شرف تمثيل بريطانيا والاتحاد الأوروبي في تلك المناسبة المثيرة للمشاعر إلى حد كبير، والتي أقيمت في الوديان التي جرى فيها إعدام حوالي 8000 شخص أغلبهم من الرجال والأولاد المسلمين حين تم إطلاق النار على الغالبية العظمى من هؤلاء الضحايا غير المسلحين، ومن ثم دفنت جثثهم في قبور جماعية. وقد جرى خلال المراسم التي أقيمت يوم الاثنين دفن أكثر من 600 من هؤلاء الضحايا بشكل ملائم. وكانت صفوف التوابيت بمثابة تذكار حي بأن تلك كانت أحد أكثر الفصول ظلمة في تاريخ أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ووصفتها المحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغسلافيا السابقة بأنها كانت عملية إبادة جماعية.

من الواضح أن مسؤولية ارتكاب تلك المجزرة تقع على عاتق قوات صرب البوسنة الذين اجتاحوا سريبرينيتسا في 11 يوليو (تموز) 1995. لكن كما قال البرلماني الإنجليزي إدموند بيرك: «الشيء الوحيد الضروري لنجاح الشر هو ألا يفعل الطيبون أي شيء حياله». فر العديد من المسلمين البوسنيين إلى سريبرينيتسا لأنه جرى إعلانها ملاذا آمنا تابعا للأمم المتحدة. وقد أقر قادة المجتمع الدولي، خلال المراسم التي أقيمت يوم الاثنين، بأن من العار على المجتمع الدولي وقوع هذه المجزرة تحت أنظاره، وبأننا لم نفعل ما يكفي حيالها. وقلت أنا بأنني أشعر بالأسى العميق تجاه ذلك، وبأنني أشعر بالأسف الشديد لما حدث.

ألقى كل هذا بمسؤولية إضافية على عاتق المجتمع الدولي بأسره ، لضمان ألا تتكرر تلك الأحداث التي وقعت منذ عشر سنوات مرة أخرى. ونحن ملزمون بالعمل بالشراكة مع جميع الدول في المنطقة لبناء مستقبل أكثر سلاما وأمنا.

هناك ثلاثة أشياء يتعين علينا عملها لتحقيق ذلك.. الأول هو أن علينا الاستمرار بالمشاركة الفعالة على أرض الواقع ، ويتم هذا في البوسنة والهرسك على هيئة تقديم الدعم لمكتب الممثل الأعلى وكذلك لقوات الاتحاد الأوروبي في البوسنة والهرسك، كما علينا إنجاز مهمتنا في كوسوفو، وضمان أن قوات حلف شمال الأطلسي هناك معدة تماما لأداء عملها دعما لبعثة الأمم المتحدة في كوسوفو.

والأمر الثاني الذي نقوم به، وهو الذي سيضمن الاستقرار على المدى البعيد، هو فتح أبواب الاتحاد الأوروبي أمام دول غرب البلقان. وفي شهر يونيو (حزيران) من العام الجاري أصدر رؤساء البوسنة والهرسك، وصربيا والجبل الأسود، وكرواتيا إعلانا مشتركا في جبل إيغمان. وأفصح هذا الإعلان عن أن جميع الدول الثلاث تطمح للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي.

وبدافع جزئي لإمكانية الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي تغير الوضع في المنطقة كثيرا نحو الأفضل. فجرت انتخابات حرة وعادلة في المنطقة ككل. وأصبح التغيير في الحكومات من خلال صناديق الاقتراع شيئا روتينيا، ولم يعد هناك تهديد باندلاع صراعات كبيرة. إلا أنه ما زال يتعين عمل الكثير، إذ يتعين على جميع الدول تحقيق المعايير السياسية والاقتصادية التي جرى تحديدها بموجب معايير كوبنهاغن عام 1993. هذا يعني بالنسبة للعديدين مضاعفة الجهود التي من شأنها معالجة موضوع الفساد والجرائم المنظمة، وتطبيق إصلاحات اقتصادية وقضائية. وتقف المملكة المتحدة وسائر الاتحاد الأوروبي على أهبة الاستعداد لدعم أية حكومة ترغب بمعالجة هذه المشاكل، ليس قولا فحسب، بل أيضا من خلال اتخاذ إجراءات فعلية.

وأهم من كل ذلك، هو أنه لن تحقق أي دولة تقدما تجاه الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي إلى أن تتعاون تماما مع المحكمة الجنائية الدولية بشأن يوغسلافيا السابقة. فالأهوال في سريبرينيتسا وغيرها من الهجمات الوحشية التي تم تنفيذها خلال الأيام المظلمة في التسعينيات لا يمكن تغطيتها. يجب التعامل معها بكل أمانة وصراحة. وبالنسبة لصربيا والجبل الأسود وكذلك بالنسبة للبوسنة والهرسك، وكلتاهما متحمستان لفتح محادثات مبكرة بشأن اتفاقية تحقيق الاستقرار والانتساب، فإن هذا يعني التوقف عن حماية المتهمين الهاربين. وعليهما، بشكل خاص، المساعدة في إيجاد رادوفان كاراديتش وراتكو ملاديتش وتقديمهما للعدالة في لاهاي، حيث كلاهما متهم بإصدار أوامر ارتكاب المذبحة في سريبرينيتسا. وبالنسبة لكرواتيا، التي تقف على عتبة فتح المفاوضات المتعلقة بالعضوية، يتضمن ذلك التعاون التام بالبحث عن الهارب آنتي غوتوفينا المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وخرق قوانين وأعراف الحروب.

وآخر قطعة في هذه الأحجية هي المساعدة على بناء الثقة المتبادلة بين دول المنطقة. ويتطلب هذا تطبيعا كاملا للعلاقات بين الدول الثلاث الأطراف في اتفاقية دايتون ـ وهي كرواتيا، وصربيا والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك. وبالتالي فإنني أرحب بتعبير قادة الدول الثلاث في إعلان جبل إيغمان عن قناعتهم بأنه ليس هناك بديل عن التجديد التام لعلاقات الجوار الطيبة، والتعاون الإقليمي المبني على المساواة التامة.

هناك حاجة لأن تنمو الثقة المتبادلة بين الشعوب إلى جانب نموها بين الدول. ولكن، وبكل أسف، فالكراهية العرقية وانعدام الثقة وعدم التسامح نمت بقوة ، وإلى حد كبير جدا منذ مدة طويلة في هذه المنطقة. وأفضل ضمان على ألا نعود إلى الأيام المظلمة في التسعينيات هو التوصل لحل بشأن حالات الكراهية هذه وبناء سلام دائم.

كانت المراسم التي أقيمت يوم الاثنين مناسبة نحزن فيها. كما كانت مناسبة لكي نتذكر، ويجب علينا الاستمرار بأن نتذكر. حيث فقط من خلال الذكرى الحية لأعمال الفسق التي ينحدر إليها بني الإنسان، بإمكاننا أن نأمل في بناء مستقبل أفضل لجميع بني الإنسان، في البلقان وفي كل مكان.

* وزير الخارجية البريطاني

خاص بـ«الشرق الأوسط»