واشنطن: محطة الفشل الثانية

TT

يحاول الرئيس جورج بوش وكبار مساعديه التظاهر بأنهم لا يلاحظون ما يجري في كوريا الشمالية، حيث لم يخف الزعيم كيم جونغ ايل النشاط النووي لبلاده التي قال المسؤولون فيها من جانبهم إنهم قد استأنفوا لتوهم تشييد مفاعلين نوويين كان العمل قد توقف فيهما عام 1994، فيما تقول تقديرات «سي آي إيه» قبل تشييد هذه المفاعلات، إن عملية تشييد مفاعلين فقط ستستغرق «عدة سنوات»، وإنه سيصبح بوسع كوريا الشمالية عقب الفروغ من تشييد هذين المفاعلين إنتاج كميات من البلوتونيوم كافية لإنتاج 50 سلاحا نوويا في العام.

وتعتبر كوريا الشمالية الدولة الأكثر عسكرة وقمعا في العالم، إلا أن حكومتها تبدو مسيطرة على زمام الأمور بقوة. ويمكن القول إن تشييد هذه المفاعل النووي الجديد مثير للمخاوف، ويعد مؤشرا آخر على الفشل الذريع لسياسة واشنطن الخارجية تجاه كوريا الشمالية.

من جانبي، فقد نجحت في الحصول على تأشيرة دخول الى كوريا الشمالية (بعد أن حظر عليََّ الدخول إليها مدى الحياة عام 1989 لأسباب لا تزال غير واضحة)، بعد ان تقدمت وناشر صحيفة «نيويورك تايمز»، آرثر سلزبيرغر، للحصول عليها. فقد رتبت الحكومة لنا إجراء مقابلات مع كبار المسؤولين الكوريين الشماليين، بمن في ذلك نائب رئيس البلاد ووزير الخارجية وواحد من كبار الجنرالات. وأصر المسؤولون الكوريون على أن المفاعلات النووية الجديدة تهدف الى توفير الطاقة لأغراض مدنية، مؤكدين أن بلادهم لن تقدم مواد نووية لأية بلاد أخرى.

يجب ألا نراهن على ذلك. فإذا تمكنت بيونغ يانغ من إنتاج آلاف الأسلحة النووية باستخدام المفاعلين الجديدين، فإنه ستكون هناك مخاطرة تتمثل في بيعها البلوتونيوم لجهات أخرى نقدا.

ويعتقد كينيث ليبيرثال، مدير قسم الشؤون الآسيوية خلال ولاية الرئيس الأسبق بيل كلينتون، أن كوريا الشمالية إذا ما نجحت في استكمال العمل في تشييد المفاعلين النوويين، فإن ذلك سيجعل منها عاصمة الإنتاج النووي في العالم.

ورفضت إدارة بوش التفاوض مع كوريا الشمالية وجها لوجه، أو تقديم صفقة واضحة لإبعاد كيم عن ترسانته النووية. وبدلا من ذلك ركز بوش على تحفيز كوريا الشمالية على المشاركة في محادثات سداسية الأطراف. ووافق الشماليون أخيرا على إنهاء الجمود الذي استمر سنة والالتحاق بجولة جديدة من تلك المحادثات. ولكن بوش يواجه الخداع، فمن غير المحتمل أن تؤدي تلك المحادثات الى نتيجة، وهي ببساطة تعطي الشماليين وقتا يضيفونه الى قدرتهم النووية.

والى ذلك فتهديد المفاعلات قيد الإنجاز يجعل محاولة بوش إجراء مفاوضات مباشرة مسألة أكثر إلحاحا، ليس فقط حول الأسلحة النووية وإنما أيضا، وكما يرى بعض المحافظين، حول انتهاكات حقوق الإنسان في كوريا الشمالية.

أما المشروعان اللذان شرعت كوريا الشمالية في العمل فيهما، فهما مفاعل بطاقة 50 ميغاوات في يونغبيون، ومفاعل بطاقة 200 ميغاوات في تايتشون. ومن المحتمل أنها تمارس الخداع أو تبدأ البناء لغرض الحصول على ورقة أخرى لاستخدامها في المفاوضات. ولكن إذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فسيكون هناك ضغط كبير في أميركا لتوجيه ضربات عسكرية دقيقة لمنع المفاعلات من العمل.

وقال لي إنه إذا ما شنت واشنطن ضربة دقيقة فإن النتيجة «ستكون حربا شاملة». وحين تساءلت ما إذا كان ذلك يعني أن كوريا الشمالية يمكن أن تستخدم الأسلحة النووية (أغلب الظن ضد اليابان)، أجاب على نحو صارم «قلت إننا سنستخدم كل الوسائل».

ولهذا، وأخيرا، فأنا لا أريد لاستئناف المحادثات السداسية المرحب به حاليا أن يصرف انتباهنا عن الواقع: وهو أن رفض بوش مشاركة كوريا الشمالية مباشرة يجعل من شبه الجزيرة أكثر خطرا، وأكثر من أي وقت منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962. والخلاصة هي أننا في وضع صِدام مع قوة نووية.

* خدمة «نيويورك تايمز»