سورية مصيبة

TT

أعني ان الشكوى اللبنانية من سد سورية حدودها في وجه شاحناتها ومنع اللبنانيين من الصيد في المياه السورية له ما يبرره في نظم العلاقات الدولية. فاللبنانيون رغبوا في اقصاء كل ما هو محسوب على دمشق بحثا عن السيادة، والسوريون يريدون القول: على الجيران ان يدفعوا الثمن، على اعتبار ان السيادة مسألة نسبية مرتبطة بالمصالح.

هنا أصابت سورية باعتمادها حسابات العلاقات التقليدية، مثل لغة الممرات البرية او الجوية من اراضيها، والصيد في مياهها، والرسو في موانيها. هذه وسائل التأثير المشروعة القانونية التي يمكن ان تمنح السوريين الحضور السياسي ضمن المصالح المتبادلة، التي لا تقارن بوسائل الأمس التي كانت تتهم فيها المخابرات السورية بالتدخل في الحياة السياسية، والتأثير على المصالح اللبنانية المحلية بصفة مباشرة.

لهذا ليس من حق اللبنانيين الشكوى من المعاملة السورية الجافة، ردا على ما يعتبره السوريون عداء صريحا ضدهم بانتخاب الأطراف المعادية لدمشق، واعتماد لغة الاتهام ضدها في المحافل المختلفة وطرد العمالة السورية. فهذه وسائل اختلاف متحضرة وقانونية.

ومن المفيد للعلاقة بين الجانبين ان تعصر عصرا، وتصل الى مرحلة اقل قليلا من القطيعة التامة، حتى يمتحن كل طرف مساحة الحركة التي يظن انه يملكها، ويشعر بقيمة الطرف الثاني حيال مصالحه الحقيقية. العلاقة الجافة مفيدة ايضا من اجل ان يتفرغ كل طرف لإصلاح شأنه بعيدا عن ضغوط الآخر. والسؤال اللاحق من سيدفع الثمن اليوم؟

على اللبنانيين ان يأكلوا فواكههم هذا الموسم في انتظار ان تنفرج الأزمة وتفتح الحدود. والى ان تعود العلاقة الى عسل الماضي، أنصح السياح العرب، والزوار اللبنانيين، الا يفكروا في السفر برا الى لبنان بسياراتهم، فدمشق قد تغلق حدودها في وجههم عند العودة، وسيضطرون الى بيعها في سوق الخردة في آخر الصيف. ولا توجد هناك بدائل كثيرة أمام اللبنانيين كونهم يعيشون في كماشة الجغرافيا السياسية بلا حدود إلا عبر سورية، او اسرائيل. ونقل الخضار والفواكه اللبنانية عبر اسرائيل الى الأسواق العربية الجنوبية أمر مستبعد، لأنه اكثر إشكالا من إشكالات الوجود السوري في لبنان. ويبقى الحل الابداعي مثل شحن البضائع جوا وعلته انه مكلف جدا. نقل البضائع الطازجة بالثلاجات الطائرة ليس جديدا، فكثير من الحمضيات واللحوم الى الخليج من الخارج ترد جوا من اوروبا واستراليا.

أما على الجانب السوري فان ما حدث درس ضروري حتى يتعرف السوريون على قيمة بلادهم، وانها اكبر واكثر غنى بامكانياتها من الهيمنة على بلد صغير مجاور، يخدم غالبا مصالح شخصية لأفراد من تجار الحروب والسياسة. هذه مأساة السوريين على مدى العقود الماضية، إن عينهم لا ترى إلا وراء الحدود، في حين انهم يجلسون على افضل بلد عربي في امكانياته الذاتية. ومعالجة دمشق من الادمان اللبناني ستساعد السوريين بدرجة أولى، وستقوي نفوذهم بدون حاجة الى حضورهم الأمني او العسكري في بيت الجيران.