الهاجس الملكي

TT

الكتابة عن الأستاذ محمد حسنين هيكل مسألة معقدة. فهناك اولا مكانته الصحافية في الذاكرة العربية، وهناك مكانته السياسية كرفيق دائم لجمال عبد الناصر. لم يسقط كما سقط من حوله جميع رفاقه من الضباط الأحرار، ولم يواجه كصحفي مقرب المصير الذي واجهه مصطفى وعلي امين اللذان كتبا في تمجيد 23 يوليو والريس أكثر مما كتب هيكل.

ثم هناك، بالنسبة اليّ، ضوابط وأحكام العلاقة الشخصية مع الأستاذ هيكل. وهي تسبق اي اعتبار. على ان الرجل كان ولا يزال في حد نفسه قضية مثيرة للجدل. ومن بلغ مكانته في الصحافة او السياسة او اي حقل من الحقول، لا يجوز ان يكون ثأريا او انتقاميا او انتقائيا، لأنها صفات لا تليق بالكبار او بالذين تخطوا اقرانهم الى مكانة أخرى وموقع آخر. لكن هيكل انتقم على نحو مؤلم جدا من مصطفى امين. واستخدم عبارات لا تليق بمصري عادي ولا برئيس مصر في الثأر من أنور السادات.

وكان موضوع هيكل الأثير، أولا وأخيرا، هو الملكية. كل نظام ملكي هو فاروق. وقد تحولت الجمهوريات الى اطول الأنظمة عمرا ولم يجد الأستاذ هيكل كلمة واحدة يقولها في سجونها السياسية وفي مستوى حرياتها وفي مستويات الفساد وفي غياب القضاء وكل مقياس آخر. وعندما احتل العراق الكويت وجد في ذلك مناسبة لتبرير الغزو والتعالي مرة أخرى على شيء يدعى الخليج.

لن ينسى هيكل انه جاء مع الرئيس عبد الناصر الى جدة العام 1965 لتوقيع اتفاق الهزيمة في اليمن مع الملك فيصل بن عبد العزيز! مع انه بعد عامين فقط، 1967، كانت السعودية اول دولة الى جانب مصر. وبعد ستة اعوام خاضت الى جانب مصر وسورية حرب 1973 باعلان حرب النفط. غير ان عملية الثأر لم تنته. فهناك هاجس ملازم اسمه الملكية. ويتضح ذلك في رواية هيكل عن اول لقاء له مع الملك حسين، إذ يقول انه اشترط للمقابلة بأنه لن يستخدم مصطلحات التكريم المعهودة. وهناك خط غريب في مؤلفات الأستاذ هيكل يمتد من المغرب الى الخليج. الأنظمة التي صمدت أمام حنجرة احمد سعيد.

الى اللقاء