أحداث غزة.. بين حماس والسلطة

TT

مما لا شك فيه أن السلطة الفلسطينية تعتبر أكثر الأطراف تأثراً بأحداث غزة الأخيرة، وانفلات الحالة الأمنية، في الوقت الذي واصلت فيه قوات الاحتلال القيام بعمليات الاجتياحات الموضعية لمناطق من مدينتي نابلس وطولكرم، فضلاً عن استخدام الحوامات والعودة لنهج الاغتيالات في مناطق قطاع غزة.

ويبدو أن الممارسات الاسرائيلية الدموية، التي بدأت تطل من جديد، تهدف بشكل رئيسي الى:

تقويض الهدنة الرجراجة، ونسفها تدريجياً مع اقتراب استحقاق الانسحاب من قطاع غزة، في خطوة يراد منها أيضاً إرباك الحالة الفلسطينية، وبث الرعب والفوضى القاتلة في مختلف مناطق قطاع غزة، فضلاً عن نسف الجهود الوحدوية التي أثمرتها زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة الى دمشق، وإعادة إنتاج الأزمات الداخلية الفلسطينية / الفلسطينية.

وللأسف، فان تسرع اللواء نصر يوسف، أضفى على الوضع الداخلي حالة من الاحتكاك السلبي المرفوض بين أبناء الصف الوطني الواحد. فمن غير المعقول أن يتم علاج الرد الصاروخي لكتائب القسام على الاغتيالات الاسرائيلية، التي وقعت في مدينتي نابلس وطولكرم، باصدار الأوامر المشددة، من دون اللجوء أولاً الى الهيئات القيادية صاحبة القرار في حركة حماس، لدفعها نحو الالتزام بالهدنة المؤقتة التي توافق عليها الفلسطينيون مع الطرف الاسرائيلي عبر القناة المصرية. وعليه فان الفوضى التي حلت في مناطق قطاع غزة كانت عملياً خسارة فلسطينية / فلسطينية صافية، في الوقت الذي واصلت فيه قوات الاحتلال وحواماته قصف واغتيال الكوادر الفلسطينية. فليس من السهل التوصل الى الضبط المؤقت للحالة التي تفجرت على أرض قطاع غزة، في ظل تواصل العدوان والاجتياحات الاسرائيلية.

ان عملية التجاذبات والاصطفافات الفلسطينية / الفلسطينية الداخلية، يفترض بها أن لا تقود نحو كوارث داخلية عاقبتها معروفة، خصوصاً في ظل النفخ الإسرائيلي للتباينات الفلسطينية القائمة والدخول القوي على خطها.

فالسلوك الإسرائيلي والتسخين المتوالي قد يتسبب في نسف «الهدنة المؤقتة»، وقد يعيد بالضرورة إنعاش النقاش الداخلي الفلسطيني بشأن العمل المسلح ودور الأجنحة العسكرية، انطلاقاً من قوة الرأي الذي يشير إلى ضرورة إبقاء الأجنحة العسكرية، وتراجع الموقف الداعي لتفكيكها واحالتها الى التقاعد، باعتبارها قد استنفدت المهام المطلوبة منها وأنها أضحت «عبئاً» على السلطة وحركتها السياسية على المستوى الدولي.

وعندها تصبح امكانية التوصل الى هدنة جديدة: تعادل صعوبة اعادة عقارب الساعة الى الوراء. فاستمرار الهدنة الراهنة، مشروط بالتزام الطرف الاسرائيلي ووقف عمليات الاغتيال، وفي هذا المجال فإن الادارة الأمريكية وحدها من يملك أدوات الضغط الفعالة على حكومة شارون لدفعها نحو الالتزام بمستوجبات الهدنة «العتيدة»، التي يتواتر الحديث بشأن ترنحها.

وفي هذا المقام/ لا يمكن أن نحمل حركة حماس مسؤولية التداعي الجاري في الهدنة القائمة، خصوصاً بعد دروسها المستخلصة من عصارة تجربة الأعوام الأخيرة، وبعد أن فقدت حالات مؤثرة من قياداتها الأولى المؤسسة لها، واقتناعها الكامل بأن مرحلة جديدة قد بدأت مع رحيل الرئيس ياسر عرفات، لذا فهي تسعى لتكريس وتطوير وجهة نظر سياسية تَظهر من خلالها على أنّها عرفت كيف تقيم المزج القائم على احداث التوازن الضروري، بين ثوابتها في الصراع مع الدولة العبرية والبراغماتية السياسية، التي يزداد الميل نحوها مع ضرورات الواقع السياسي الفلسطيني الجديد في فضاءاته الاقليمية والدولية شديدة التعقيد.