أيام فاتت

TT

انشغل مؤسسو المملكة العراقية بكثير من الامور التي تعلقت بتحديث العراق وتطويره بعد كل تلك القرون من التخلف. كان مما شغلهم في أمر توحيد الشعب الملابس وغطاء الرأس. فضل الملك فيصل رحمه الله لبس السدارة وتحمس لها كثيرا حتى سميت باسمه «فيصلية». جرت حملة واسعة لتعميمها، حتى كلفوا المنلوجست عزيز علي تأليف منلوج خاص بها، فغنى اغنيته المشهورة «شعار الراس اصبح يا ناس اشكال اجناس».

ولكن فريقا آخر لم يستحسنوا السدارة. رأوها غير عملية لا تقي من الشمس ولا من المطر. كان منهم حكمت سليمان المؤمن بالتطور والعصرنة. اتصل به رجل الدولة الآخر نوري السعيد، وعرض عليه منصبا وزاريا، بيد ان حكمت سليمان اصر على الاحتفاظ بلبس القبعة فبقي في صفوف المعارضة.

بعد اشهر قليلة حدث اول انقلاب عسكري في العراق عام 1936، واسندت به الوزارة الى حكمت سليمان، فوقع في ورطة، كيف يذهب لمقابلة الملك والملك لابس سدارة وهو يلبس البرنيطة؟ حل المشكلة بأن ذهب للبلاط الملكي وتسلم الارادة الملكية وهو حاسر الرأس. وبذلك دفع ثمن المنصب بتعريض صلعته للشمس المحرقة صيفا وامطار الشتاء القاسية.

ظلت مشكلة غطاء الرأس تشغل بال الدول العربية وعلى رأسها مصر التي كانت تعاني من مشكلة الطربوش المتخلف، فما ان سمعت صحيفة الاهرام بما فعله رئيس وزراء العراق حتى بعثت بمراسلها ليسأله عن مصير قبعته الاوربية، وما اذا كان سيعود اليها حالما تسقط وزارته، فأجاب بأن ايام البرنيطة قد انتهت الى غير رجعة بالنسبة له. لم يبادر مراسل الاهرام الى تعزيته على هذا الفراق الاليم لشفقته.

هكذا بقي حكمت سليمان بدون اي شيء يغطي به صلعته، ومعه في الواقع بقي هذا الشعب الحائر في مصيره حائرا بين لبس السدارة الوطنية او الشفقة الاوربية او الشماغ العربي او الطربوش العثماني. ولكن المشفقشين ظلوا يثيرون سخرية المشمغشين كما عبر عنهم شيخ المشمغشين المعقلين، الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي بقصيدته التي قال فيها:

البس يا عراقي (سموكن) اسود لون

كي تدخل الى اوتيل كارلتون.

شرط يكون تلبس على الموضه هدوم

سترة وبنطلون وشاربك مقطوم.

وباينباغ والقوله على الزردوم

وشفقه كون راجز مو شغل زابون.

الى اوربا سافر ارجو لا تبقى

ادرس حالهم كي تتوفق وترقى.

بموس احلق الشارب والبس الشفقه

تصير بريطاني من بني سكسون

الكرخي وايامه. وكانت ايام وفاتت