بل نريد موسيقى هادئة!

TT

بعد الحرب العالمية غيرت كثير من الدول أناشيدها الوطنية. فقد نظمت هذه الأناشيد القومية في ظروف حربية، فهي تستنهض الهمم وتشعل النار في الدم في البندقية في قلب العدو، ومع وقف القتال والهدنة والسلام ألغيت الأناشيد القومية أو حذفت بعض الكلمات.

وبعض الأناشيد من نظم وتلحين فنان واحد، وبعضها من تأليف مجموعة من الفنانين، وبعضها مجهولة الشاعر والموسيقار مثل النشيد الوطني البريطاني، أما مصر والهند وإيران وكوبا وفيتنام وإندونيسيا فالموسيقار هو الشاعر، فالنشيد الوطني المصري من كلمات وموسيقى سيد درويش، والنشيد الوطني الهندي من نظم وموسيقى الشاعر الكبير طاغور.

ولأن العالم كله يحلم بالسلام مع الجار ومع النفس فقد اتجهت كثير من الدول إلى إعادة النظر في أناشيدها، وآخرها فرنسا التي قررت أن نشيد (المارسيز) نسبة إلى مدينة مارسيليا الفرنسية يجب حذف بعض الكلمات التي تدعو إلى التعبئة وإراقة دم العدو، ونشيد فرنسا كتب كلماته وموسيقاه أحد القادة العسكريين، وكان هذا النشيد يجلجل في كل المعارك الحربية طوال مائتي سنة في أوروبا وأفريقيا.

وأذكر أن الرئيس السادات طلب من الموسيقار محمد عبد الوهاب تأليف موسيقى للنشيد الوطني، أو إعادة توزيع وإضافة ما يراه جماليا لنشيد سيد درويش: بلادي بلادي. وقد حرص عبد الوهاب أن ينفرد بهذا الشرف العظيم، فقد كتب موسيقى وتوزيعا جديدا بديعا، وفي نفس الوقت جعل الموسيقى بثلاث سرعات مختلفة وفي استراحة القناطر الخيرية جلس الرئيس ومحمد عبد الوهاب وأنا لكي نستمع.

وسمعنا المقطوعة ثلاث مرات بسرعاتها المختلفة، سريعة واقل سرعة وبطيئة، وطلب الرئيس إعادتها، ثم مرة ثالثة، والتفت الينا، وسأل عبد الوهاب: تختار أيه يا محمد ؟ فكان رد عبد الوهاب: سيادة الرئيس أنا ألّفت وعرضت والرأي لك.

التفت الرئيس يسألني: ما الذي اختاره من المقطوعات الثلاث، وكلها بديعة ولا خلاف بينها، فقلت على سبيل الاحتياط: اختار الثانية يا ريس!

فرد السادات بصورة قاطعة: لا.. أنا أختار الأبطأ لأننا لا نريد أن نحارب . خلاص تعبنا من الحروب، نريد السلام نريد أن نذوق طعم السلام والأمان والراحة، والتقاط الأنفاس.. تعبنا.

وكان قرارا نهائيا!