هجمات 7/ 7: من يتحمل المسؤولية؟

TT

تمتد المقاربات مع أي حديث عن الإرهاب، في أوروبا ، فنجد من يشير الى زاباتيرو رئيس وزراء اسبانيا، وموقفه المختلف تماما بالمقارنة مع توني بلير او الولايات المتحدة في مواجهة الارهاب، فقد سحب القوات الاسبانية من العراق، وعفا عن المسلمين المهاجرين غير الشرعيين بدلا من ملاحقتهم، ودعا الى تحالف الحضارات، للترويج للحوار! ومن هنا امتدت تساؤلات كثيرين: هل هذا نموذج نافع؟

تقديري أنه يمكن للافعال الرمزية ان تؤثر. ولكن ما نحتاج إليه على المدى الطويل هو سياسة حقيقية بالاندماج، في مقابل ان نفهم ان التنوع الديني والعرقي هو مستقبل اوروبا، وليس موضوعا عابرا.

فالمشكلة الكبرى التي نواجهها اليوم ليست مشكلة الاطار القانوني، وإنما انعدام الثقة المتبادلة، والوعي السلبي للمسلمين في اوروبا، حيث يشعر المسلمون بأنهم لا يحظون بالإعجاب في مجتمعات يعيشون فيها، وان هناك الكثير من العنصرية والاسلاموفوبيا.

ومن هنا أيضا فمن شأن الثقة المتبادلة أن تشهد حالة من التبلور اذا ما سهلت السلطات عملية الاندماج عبر مشاركة الجاليات الاسلامية محليا وعلى المستوى القومي، ولم تحاول احتواءها، فإذا ما شعر المسلمون ان الحكومة تحاول السيطرة عليهم او احتواءهم، فسيشعرون بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وليسو اعضاء مسؤولين في المجتمع. وأستطيع هنا أن أقطع بأنه وإذا كان ذلك هو المنطلق للمستقبل، فلن يكتب له النجاح ! فيما يصبح ضروريا للحكومات والجاليات الاسلامية أن تتجه لتطوير سياسة مدنية للقضاء على الانغلاق الثقافي والتعليمي، بالإضافة الى الانغلاق الاقتصادي مثل الذي نراه في فرنسا ! والانغلاق العرقي كما في بريطانيا ! وفي المقابل يجب على الحكومات والجاليات الاسلامية التعاون في قضية تعليم الائمة. ففي الوقت الراهن فإن معظم الائمة يأتون من الخارج. ونحتاج في المستقبل الى ائمة تعلموا في اوروبا.

ولكن السؤال هو: من سيفعل ذلك؟ أقول إنه يجب ان تتدخل الحكومات بالمساعدة، لاننا نحتاج الى ائمة مدربين على اللغات الاوروبية وتعليم فكر اسلامي متكيف مع المجتمع الاوروبي. وهي قضية هامة لتفويت الفرصة على الائمة الذين يدعون للكراهية والعنف. وقد يقول قائل: أليست هذه هي القضية الاساسية، إذ يجب ان يحدد الاسلام، بالنسبة للمسلمين الاوروبيين، انه وكدين ليس ضد الغرب.

فمن الناحية العالمية، نشهد نجاح الاغلبية العظمى من المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وأوروبا في تكييف معتقداتهم الاسلامية مع مجتمعاتهم، فأصبح ولاؤهم، كمواطنين، مع المجتمعات التي يعيشون فيها. ومع ذلك، فإني سأظل أردد أنه وبالرغم من التفجيرات فإن القصة الحقيقية للاسلام اليوم هي «الثورة الصامتة» التي تدور في اوساط المسلمين في الغرب، التي تقودها، بصفة اساسية، النساء اللائي ألزمن انفسهن بالديموقراطية وحرية الرأي والعبادة، والمشاركة المتساوية، والتنوع وحكم القانون. لقد اصبحن بالفعل مواطنات غربيات. فهذه الاغلبية الصامتة هي العدو الحقيقي لمفجري قنابل لندن. فهم يريدون أن تكون لدينا وجهة نظر ثنائية عن العالم وعن انفسنا، فيما يرفضون قبول ان مبدأ «نحن ضدهم» هو هزيمة لهم أنفسهم .

أما عن الدوافع وراء مفجري قنابل لندن التي جعلتهم يعبرون الخط ويتحولون الى انتحاريين، فلنا ان نسجل هنا ان الامر لا يزال غامضا، ولكن تبدو هناك العديد من العناصر. فهناك اولا العنصر الشخصي بالاعتقاد بأنهم يطهرون انفسهم بقتل اعدائهم. وثانيا الاعتقاد بأنهم يطبقون استراتيجية بمواجهة الاعداء الرئيسيين للاسلام، أي الولايات المتحدة وبعض المجتمعات الاوروبية التي تقف وراء النظم الديكتاتورية في المنطقة العربية والإسلامية، وثالثا هناك الرؤية الثنائية لصدام الحضارات. صحيح أن هناك منظومة من الأحداث الدرامية التي ألقت بظلالها على مستقبل اندماج المسلمين في أوروبا ورفعت من ثم التساؤلات حول الطريقة المثلى التي يمكن أن يتجاوب بها المسلمون، وأبرز محطات تلك المنظومة، وكما هو معلوم، مقتل المخرج الهولندي فان غوخ على يد مواطن هولندي من اصل مغربي، وتفجيرات لندن الأخيرة بواسطة ارهابيين بريطانيي الجنسية من اصول باكستانية، وهنا أقول إن علينا كمسلمين ان نواجه الواقع، فهذه الهجمات لن تتوقف، ومن هنا فمن شأنها أن تقترب من أن تكون جزءا من مستقبلنا في اوروبا.

لذا، فالمسلمون في حاجة الى نوع من النقد الذاتي والتوصل الى تحديد المجالات التي يمكن ان يعملوا فيها على نحو فاعل لوقف الذين ينفذون هذه الهجمات او الذين يحرضون على تنفيذها.

وتشتمل هذه المجالات اول ما تشتمل على الحوار بين الديانات، ومحاربة القراءات والتفسيرات التي تحرض على الكراهية والعنف لأن هذه اشياء تتنافى مع الاسلام. وبوسعي هنا ان أقول ببعض الموجهات، بينها: أولا،

لا ينبغي ان ندين هذه التفسيرات فحسب، بل ان نعمل أيضا ضد الذين يروجون لها ونتعقبهم، أي التعاون مع السلطات السياسية وحتى الشرطة عندما يكون هناك أئمة أو غيرهم يروجون للكراهية والعنف ويعملون ضد القانون والدساتير في البلاد الاوروبية. ثانيا، ثمة حاجة الى النظر الى مسألة الإحساس بالذنب والشعور بالعيش في بيئة غير اسلامية واستغلال هذا الجانب بواسطة المروجين للكراهية ضد «البيئة غير الإسلامية» في المجتمع الغربي، لاننا كثيرا ما نلاحظ ان الشبان المسلمين الذين يتصرفون بعنف وبلا أي عقلانية قد اندمجوا اجتماعيا. فهم يشغلون وظائف او يدرسون بالجامعات وبعضهم متزوج. إنهم يعانون من عدم توازن عاطفي ونفسي، ويشعرون انهم تلوثوا بعض الشيء وبعيدون عن تعاليم الاسلام ويشعرون ايضا بالذنب وبأنهم لم يفعلوا ما ينبغي عليهم فعله. عندما يكون هذا هو الشعور السائد وسط هؤلاء الشباب، فالذي يحدث أنه يأتي اليهم الداعون الى الجهاد ويسألونهم: هل تريدون إنقاذ انفسكم؟ هل تريدون تطهير انفسكم؟.... لدينا حل. يجب ان نعارض مثل هذه السلوك. ثالثا، يجب ان نعالج الصلة بين ما حدث عالميا في العراق او فلسطين، والوضع المحلي في دول مثل بريطانيا او فرنسا او ألمانيا. ذلك لأنه واذا ما شعر شاب مسلم بالغضب ازاء ما يشاهده في كشمير او غوانتانامو او العراق او افغانستان، فإنه في حاجة الى ان يشارك سياسيا كمواطن في محاربة سياسات حكومته، فالحل لا يكمن في قتل الأبرياء في مترو الأنفاق في لندن، وإنما في إصرار المسلمين على ان تكون اصواتهم عالية في الديمقراطيات التي يعيشون فيها والإصرار على حكوماتهم باتخاذ مواقف متوازنة وعدم التعامل بمعايير مزدوجة. لأن الذي يحدث هو أنك واذا ما أبديت للآخر شعورا بالغضب إزاء ما يحدث للمسلمين في العالم، فإن من المفترض ان يصبح الشخص الذي تلقّى مثل ذلك الشعور مواطنا ملتزما وليس مفجرا انتحاريا.

ولكن، وفي المقابل، اذا ما صمت القادة المسلمون في اوروبا على هذه القضايا، خوفا من غرق السفينة، فإن الشباب الغاضب سيبحث عن سبيل آخر لمعالجة المظالم التي يشعر بها، على النحو الذي شهدناه في مناطق كثيرة. ما الذي ينبغي ان تفعله الحكومات الاوروبية ؟

قال توني بلير ان «الأمر متروك للمسلمين كي يفعلوا شيئا» لوقف هؤلاء القتلة الذين ينتمون الى الجالية المسلمة». وكما قلت، فإنه على صواب من ناحية. إلا ان الوضع الذي نواجهه اليوم اشبه بوضع الأسرة. فإذا ارتكب واحد من الأطفال خطأ يكون والداه مسؤولين ايضا. الذين ارتكبوا تفجيرات لندن ولدوا في اوروبا. إنهم ليسوا فقط ابناء مسلمين وإنما أبناء المجتمع الاوروبي ايضا ! وهنا فان فالمجتمع المسلم هو احد الوالدين، ويجب ان يفعل شيئا، وعلى الوالد الثاني وهو المجتمع الاوروبي ان يفعل شيئا ايضا.

* مفكر اسلامي في أوروبا، والمقال مأخوذ من مقابلة له مع رئيس تحرير «غلوبال فيو بوينت» خاص بـ«الشرق الأوسط»