اعتذار إلى أصيلة

TT

منذ سنوات وأنا أحلم بالذهاب إلى مهرجان «أصيلة». ففكرة القرية الثقافية الحضارية تسحرني. ثم إنها ذريعة مهنية جميلة لزيارة المغرب الذي أشعر في مدنه بدفء لا أشعره في بيروت. وكانت تحول دون الذهاب إلى أصيلة مشكلة بسيطة: أنني لا أدعى إلى المهرجان!

وكان ذلك، اعترف طوعا، يثير في نفسي التساؤل. وقبل عامين كنا في جنوب فرنسا، فقال لي محمد الشارخ تعال نعبر المتوسط إلى أصيلة، فقلت إنني لا أذهب إلى مكان بغير دعوة، سواء كانت المأدبة فكرية ثقافية أو من طيبات ما رزقنا. وفي الصيف الماضي جلست قرب سيدة من المعنيات بأصيلة ونحن في قرطبة. وطرأت فكرة الحضور. وقالت السيدة بكل بساطة إنني لا ادعى، لأن القيمين يعتقدون أنني لا احل إلا في الفنادق الكبرى ولا استخدم إلا السيارات الفاخرة. وضحكت طبعا. وقلت لها سوف أرسل معك إلى الأستاذ محمد بن عيسى لائحة بفنادق الفقر التي عرفتها. وصورة عن تذاكر طائرات الشحن التي سافرت عليها. وصورة بالألوان للغرفة الوحيدة التي امضي فيها إجازة الصيف في جنوب فرنسا. لكن من دون الاضطرار إلى إرسال اللائحة والصور تلقيت هذه السنة دعوة لطيفة من الأستاذ محمد بن عيسى إلى المهرجان. وشعرت بغبطة. وبعدها كنت أحادث الأستاذ غسان تويني في باريس فأبلغني انه ذاهب إلى المهرجان ومعه الدكتور غسان سلامة. وأضاف محذرا: «إياك أن تتغيب».

واني اعتذر. أولا من محمد بن عيسى، الذي ارتقى بالمهرجانات الثقافية في العالم العربي، وحوّلها من مدائح وتواشيح، إلى منجز فكري وملتقى محترم. وثانيا إلى أستاذنا التويني الذي يكرمني دائما بالدعوة إلى مرافقته في مشارق الأرض ومغاربها منذ ثلاثين عاما. وثالثا إلى السيدة التي شرحت حقيقة الأمر لأهل المهرجان كما «شرحت لها عن حالتي» كما يقول الراحل فهد بلان في أغنيته الشهيرة «روح يا طير لعندها. واشرح لها عن حالتي، هاها. هاها. هاها». والواضح أن حالتي هاها هاها هاها.

قبل أن تصلني دعوة محمد بن عيسى كنت قد ارتبطت بالمشاركة في ندوة ثقافية في لبنان، ولو تركت للنفس مشتهاها لاعتذرت من لبنان وكسبت أصيلة والمغرب واللقاءات الثقافية العاطرة. ولا اعتقد أن هناك بلدا مشغوفا بالفعل الثقافي مثل المغرب. وليست أصيلة سوى علامة من علامات الشغف. وعندما أنهى إدريس البصري ثلاثة عقود من العمل في وزارة الداخلية، حيث الثقافة مخدّر والمثقفون خطر، كان أول ما فكر أن يفعله هو التدريس في جامعة الرباط والانضمام إلى بحر الثقافة المغربي. لكن طلبه قد رفض بداعي توافر الكفاءة والافتقار إلى الأهلية.