قرد وقطة وثعلب

TT

انا بنت مدينة لأنني ولدت في مدينة ونشأت فيها ثم تعلمت في مدينة أخرى وبعدها استقر بي المقام في مدينة ثالثة. إيقاع المدن يفتنني والاضواء تستهويني ولا يتعبني في حياة المدن إلا قلة المساحات المتاحة للفرد للتأمل في احوال الكائنات الاخرى. ولكني تحايلت على ضوضاء المدن بالنهوض المبكر والمدينة نائمة والسكون شبه مكتمل. وأقنعت زوجي بالخروج معي للسير في الشوارع والمتنزهات قبل ان تبدأ حركة المدينة.

اثناء سيرنا كل صباح تستقبلنا قطة فارسية تقطن في المنزل رقم 18. ما ان ترانا حتى تموء وتتمطى وتأبى إلا ان ترافقنا في السير، وفي النهاية توصلنا حتى باب بيتنا ثم تنصرف عائدة الى حيث تسكن.

هذا الصباح وانا غارقة في مدارات افكاري وزوجي الى جواري والقطة معنا فاجأني زوجي قائلا : سوف تلقانا هذه القطة في الآخرة لأننا صاحبناها في الدنيا معروفا.

سرّني احتمال ان تتذكرني قطة في الدنيا وفي الآخرة ايضا. وانطلقت افكر في تلك الكائنات الصغيرة التي تحيط بنا عوالمها من كل جانب ولا نفكر فيها إلا قليلا. وفي اليوم نفسه توقفت عند معلومة قرأتها في مجلة علمية مضمونها ان الانسان ليس هو الكائن الوحيد الذي يشعر. فالكائنات الاخرى تشعر ايضا وتميز بين العدل والظلم وبين الحنو ونقيضه. فالقرود والشمبانزي مثلا تتمرد على الظلم، والدليل العلمي هو انه في ولاية اطلانطا الامريكية قام فريق من الباحثين بتجارب دلت نتائجها على أن الفصائل الحيوانية تتأثر بالبيئة الاجتماعية والعلاقات الشخصية كما يتأثر بها الانسان. وفي احدى التجارب قدم فريق البحث بعض الزلط لمجموعة من القردة واوحوا لها ان تحمله الى واحد من الباحثين. وفي 95 % من الوقت نفذ القردة الامر وكافأ الباحثون كلا منها بقليل من الطعام . بعد عدة ايام تغيرت المكافأة لتصبح قطعة من الفاكهة المحببة للقردة. وبعد عدة ايام اخرى نفذت القردة الامر ولكن من دون ان تتلقى كلها المكافأة بل فضل الباحثون بعض القردة على حساب أخرى. وهنا ظهرت المفاجأة. فقد رفض بعض المحرومين من المكافأة التعاون في تنفيذ الامر المطلوب.. بل وازدادت حالة السخط حين حصل قرد لم يؤد اي عمل على مكافأة. فنزعت بعضها الى القاء الزلط على الارض بدلا من حمله. وفهم الباحثون ان رفض الامر هو تعبير عن رفض الظلم.

والأبلغ من ذلك ان صلة القربي كانت خطا فاصلا بين الاحساس بالظلم من عدمه. حيث ان القردة لم يستفزها ان يحصل احد صغارها على مكافأة لا يستحقها، ولكن حين حصل قرد غريب عن المجموعة على مكافأة غير مستحقة ظهرت علامات التمرد والغضب. واستنبط الباحثون من تلك التجارب ان الحيوان ايضا يستجيب سلبا للمواقف غير العادلة ولكن الاحساس بالظلم يتراجع نسبيا اذا كان المستفيد قريبا او حبيبا. حين نخرج للسير غدا والتقي بالقطة الفارسية لن اكتفي بوداعها عند باب البيت، قد افكر في دعوتها للدخول وتقديم الحليب. هل اجاملها بعبارات الترحيب لعلها تفهم وتتذكر حسن الصنيع؟ الحقيقة هي انني أتمنى الان ان افهم ماذا تقول الطيور بعضها للبعض في الساعات المبكرة من الصباح، وماذا تقول القطة الفارسية عني وعن زوجي حين تلتقي بذويها من القطط. وهل يتهمني الثعلب الذي يسكن البستان المجاور بالبخل لأنني لا اطعمه؟ كم اتمنى ان اتواصل معه لكي اقول له إنني لا ابخل ولكني ارتعب.