مش ناقص

TT

ذكرت صحيفة «ديلي تلغراف»، أن صبياً بريطانياً في الثامنة عشرة من عمره، رمى في البحر قارورة ـ أي قنينة ـ داخلها رسالة يطلب فيها صديقاً يراسله، وكتب داخلها اسمه وعنوانه، وبعد بضعة أسابيع وصلته رسالة من رجل هولندي يقول فيها: أيها القذر السخيف إياك أن ترمي في البحار مرّة أخرى بالمخلفات وإلاّ سوف أرفع عليك دعوى في كل المنظمات العالمية لحماية البيئة.

وبيني وبينكم يستاهل ذلك الصبي (هيك) جواب، لأن وسائل (التواصل) الحديثة أصبحت أكثر من الهمّ على القلب، فيكفي أن تداعب أصابعك ظهر فأرة (الإنترنت)، ليظهر لك ألف صديق وصديقة هم على أتم الاستعداد لمراسلتك وتنكيد عيشتك لو أردت.

ورحم الله أيام زمان عندما كنت طالباً هلفوتاً في (فلورنسا)، وكنت أسير في يوم شتائي بارد في أحد الشوارع، وبجانبي صديق أكثر (هلفتة) مني، وكانت في يده اليسرى رسالة لأهله يريد أن يرميها في صندوق البريد، وفي يده اليمنى سندوتش (همبرغر) كان قد اشتراه لتوّه من المطعم ولم يقضم منه غير أربع قضمات ـ بالعدد ـ لأنني كنت أراقبه وأحسبها عليه، وعندما وصلنا إلى صندوق البريد وإذا به يرمي بطريقة سريعة ولا شعوريّة بالسندوتش في الصندوق بدلاً من الرسالة.. ووقف المسكين للحظات مبهوتاً، فيما رحت أنا أقذفه بالشتائم والضحكات المتشفّية، وزاد الأحمق حماقته بأكثر منها حينما مزّق رسالة أهله من شدّة الغضب ورمى بها في سلّة زبالة الشارع، وحاول بعدها أن يتسلف مني نقوداً لشراء سندوتش آخر، فرفضت بكل إباء وشمم وقلّة ذوق.

وبما أننا بصدد الكلام عن البريد وأهله، سمعت أو قرأت ـ لا أذكر ـ أن رجلاً بريطانياً قبل عشرات السنين كان يقيم في أحد البلاد الأفريقية ـ لا أريد أن أسمّيها لكي لا يغضب مني اخواني أهل السودان! ـ، كان ذلك الرجل مقيماً في ذلك البلد الافريقي، وطلب من مصلحة البريد استئجار احد صناديق البريد الخاصة، فجاءه الرد أنه سيحصل على ما يريد بعد شهر.. وبعد مرور خمسة أشهر، ذهب يسأل في عدم حصوله على الصندوق، فبحث حضرة المدير في سجلاته ثم قال له: إن المصلحة خصصت لك صندوقاً منذ أربعة اشهر، وأنها أخطرتك بذلك، وقدم له المدير مفتاح الصندوق قائلا: هذا هو مفتاح صندوقك، وإذا كنت لا تصدقني فافتحه وستجد خطاب الإخطار الذي أرسلناه لك... تناول البريطاني المفتاح بكل أدب، وقال له ـ بما معناه ـ طبعاً سوف أصدقك (هو أنا اقدر؟!)، وكثّر الله خيرك، ثم أدار ظهره وانصرف، وراح يمشي مشية الأوزّة.

لكن حال ذلك البريطاني أهون من حال ذلك الزوج الذي كانت زوجته تقضي عطلتها في بلدة أخرى، وأراد أن يفتح صندوق البريد، واكتشف أن المفتاح مع زوجته، فاتصل بها تليفونياً لإرساله، وعلى الفور أعادت له الزوجة (المرجوجة) المفتاح في رسالة ألقت بها في صندوق البريد.

لا أدري إلى الآن من هو أكثر غباء من الثلاثة الذين ذكرتهم سابقاً.. أرجو ألاّ تعتبروني رابعهم، لأنني بصراحة (مش ناقص)، فالغباء فعلاً واصل إلى مناخيري ـ خصوصاً في هذه الأيام الممتلئة بالأخبار (السعيدة جداً).

[email protected]