تفجيرات لندن وصراعات الشعوب..!

TT

كما أن في الإعلام البريطاني أصواتا عاقلة ناقشت موضوع التفجيرات بروية وموضوعية، هناك أصوات متصهينة حاولت تجيير الأحداث لتعميق العداوة بين العالم الإسلامي والشعوب الغربية، وإلصاق التهمة غير المباشرة إلى الإسلام.

وبأسلوبها الماكر وبعد أن تستعرض الأحداث الدموية المؤسفة، التي استهدفت هذه المرة الشعب البريطاني وما خلفته التفجيرات من دماء ودمار وذعر، تنتقل إحدى الكاميرات التليفزيونية لإحدى المحطات الفضائية البريطانية فجأة، إلى المدارس الدينية الباكستانية التقليدية (الكتاتيب) وأطفال صغار لا يتجاوزون سن العاشرة، يتلون القرآن جالسين على الأرض يهزون رؤوسهم، تعلو أصواتهم بالتلاوة كأنها دوي النحل..! وأنا أتساءل: إذا كانت الرسالة من وراء هذا المقطع التلفزيوني أن هزات الرؤوس بتلاوة القرآن في كتاتيب باكستان، قد هزت محطات القطار الأرضية اللندنية بالتفجيرات، وأن دوي أصواتهم بتلاوة القرآن في باكستان قد أحدث صداه دويا بالتفجيرات والرعب في شوارع العاصمة اللندنية، فحقائق التاريخ تقول ان المسلمين يهزون رؤوسهم بتلاوة كتابهم المقدس في باكستان، بل في شبه القارة الهندية وفي مساجدها وكتاتيبها، منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا، وما اهتز عود في ديار الغرب، وهاجر الباكستانيون والهنود المسلمون وغالبيتهم من الذين هزوا رؤوسهم بقراءة القرآن في الكتاتيب، وما رأت بريطانيا من الجالية الإسلامية إلا المساهمة في تنمية البلد اقتصاديا وعلميا، ومن هؤلاء (الهازين لرؤوسهم) قادة الجالية الإسلامية الذين اجتمعوا أخيرابرئيس الوزراء البريطاني (توني بلير)، يعرضون عليه تعاونهم الكامل مع الحكومة البريطانية للتهدئة، ومعالجة مشكلة الإرهاب في بريطانيا، بل إن الجالية الإسلامية في بريطانيا وأغلبهم باكستانيون، وعلى الرغم من بعض مظاهر القصور، تعتبر الجالية الأفضل اقتصاديا وعلميا ومهنيا وإسهاما في خدمة البلد المضيف، مقارنة ببقية الجاليات الإسلامية في بقية الدول الغربية، فحشر القرآن وتعليمه والمدارس الدينية تعسف لا معنى له، بل إن تعزيز هذا التوجه العدائي يصب في خدمة التطرف وتغذيته.

وتهون مصيبة اتهام مدارس تعليم القرآن في باكستان بأنها تقف وراء الإعداد لتفجيرات العاصمة البريطانية، عند المطالبة بتدمير الحرمين الشريفين بالأسلحة النووية، كحل تقدم به (توم تانكريدو) العضو الجمهوري الأخرق في الكونجرس الأميركي، للرد على أي هجمات إرهابية محتملة على أميركا يقوم بها مسلمون متطرفون.

ما بين المتطرفين المسلمين وتبريراتهم السخيفة في التفجير والقتل والدمار في بريطانيا والسعودية ومصر وأميركا والعراق، وبين المحافظين الجدد في أميركا الذين يغذون ويشجعون القتل والدمار في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين، ونهاية بـ (تانكريدو) شيخ المتطرفين الأميركيين النوويين الذي يريد أن يقضي على التطرف الإسلامي بقنبلته النووية على الكعبة المشرفة، أقول بين هؤلاء الحمقى وأولئك المتهورين يمر العالم الآن بسببهم بمرحلة وتحولات جديدة وخطيرة، وما أحسن ما قاله لي صديق مفكر في تعليقه على تفجيرات لندن الأخيرة (كوكبنا الأرضي يمر بخطر داهم، لأن الخشية أن يتحول الصراع إلى صراع بين الشعوب، وليس بين الدول كما في الصراعات التقليدية)، ولا شك ان صراع الشعوب أشد وأنكى وأعمق خطرا وأرسخ في العداوة.

ثمة ضرورة ملحة وآنية لا تقبل التأجيل إلى أن يتنادى العقلاء في المعسكرين الإسلامي والغربي لتدارك إطفاء جذوة المتطرفين في كلا المعسكرين، وأن يحال بينهم وبين التأثير على الجماهير، والمشكل هنا أن الصوت المتطرف بدأ يعلو بقوة في العالم الإسلامي والعالم الغربي، وإذا استمرت وتيرة الأحداث كما هي، فإن العالم سيتعرض لصراع مرير بين الشعوب والحضارات أو هو قد بدا فعلا، لكن تدارك المشكلة في بداياتها ـ تماما كالأمراض المستعصية ـ أسهل في علاجها منه إذا استفحلت.

[email protected]