من لندن إلى شرم الشيخ: حين يسحب نفي الذات كل الرصيد

TT

أظن أنه قد حان الأوان لمحو مقولة ذهنية إقصاء الآخر كتفسير لظواهر الإرهاب والأصولية، واستبدالها بتماشي فكري واقعي، يتمثل في السيطرة الكلية لذهنية نفي الذات والتلذذ بتدميرها على نحو مازوشي خطير.

فالاكتفاء بوصف مدبري ومنفذي التفجيرات، منذ أحداث تاريخ 11 سبتمبر 2001 إلى محاولات تفجير بثلاث محطات مترو الأنفاق وحافلة بشرق لندن وتفجيرات شرم الشيخ، بأنهم إرهابيون ومتشددون إسلاميون وحاملو خطاب تكفير الآخر ورفضه، كلها أوصاف من فرط استهلاكها السياسي والإعلامي، فقدت ما تمتلكه من بلاغة الدلالة. إضافة إلى أنها تدور حول الظاهرة دون أن تمسك بلبها.

ودون تزويق لغوي أو تستر على هول الحقيقة لا بد من الاعتراف بكل مرارة الدنيا وعلقمها بأننا مررنا بالقوة إلى مرحلة إقصاء ذاتنا نحن، ونفيها وطردها من فضاءات الوجود الرمزي وحتى المادي.

ومن المعروف أن أي خطر داهم يحتاج إلى وقفة واحدة وإلى تكاتف موقفي، لكي تنتصر الحياة ويتم إبعاد أشباح الموت، التي تصر على محاصرة الإنسان العربي وإن كانت تدعي استهدافها لأعداء سياسيين احتلوا العراق ويماطلون في حقوق الشعب الفلسطيني. ولكن أين منا هذه الوقفة الواحدة، والحال أن الانشطار سيد الموقف ؟

وقد لا أكون مبالغة إذا قلت إن هذا الانشطار في الموقف من جماعات نفي الذات، هو الذي سيقضي علينا وسيجعل صورتنا المتدهورة في تدهور أسوأ وسيحيل الرصيد الثقافي للحضارة العربية الإسلامية على القائمة الحمراء.

ذلك أن منفذي التفجيرات مكشوفون أمام الآخر، سواء في عدائهم أو في الميكانيزمات التي تحرك عقولهم، إلى درجة أن تفجيراتهم تحمل تواقيعهم، والتوقيع يقود إلى التعرف على هوية صاحبه، كما نعلم جميعا.

وفي مقابل ذلك تصبح المجتمعات العربية وكذلك الجاليات في العواصم الأوروبية والغربية عموما محط الأنظار، بل أنهم أمام امتحان مفاجئ لطبيعة ثقافتهم وحقيقة موقفهم من أعمال قتل الأبرياء المدنيين.

إن السلبية والتعامل مع هذه الأعمال بمسافة وهمية وخاطئة، يعني بالنسبة إلى الغرب أننا نقبل بوصاية الإرهابيين علينا، وأننا نستبطن نفس الموقف، وأنهم يتحركون بأيدينا ويفكرون بعقولنا.

وبعيدا عن السلوك المدني الذي يجب أن يكون، وضرورة الدفاع غير المحدود عن روح الإنسان ودمه وسلامته، من المهم أن ندرك أن الخطر قد أصبح لصيقا بكل فرد ينتمي إلى العالم العربي والإسلامي.

ندرك ذلك على الأقل من باب الوعي بالمصلحة الفردية والجماعية والمصلحة الآنية والمستقلبية.

كل هذه السلبية تشير إلى أننا شعوب لا عقل لها وغير قادرة على الدفاع عن نفسها ضد من يستهدفون مصالحها قبل مصالح الآخر. أليس ذلك المواطن المصري البسيط والفقير الذي زاده انهيار العملة المصرية بؤسا، هو المستهدف في العمق والرزق والمعدة من تفجيرات شرم الشيخ؟

ورغم مأساوية الضربات الإرهابية والتفجيرات التي خلفت قتلى أبرياء وخطورة ذلك سياسيا وثقافيا واقتصاديا وسياحيا، فإنه بوسعنا قلب السحر على الساحر وإظهار مواقف شعبية غير بروتوكولية، تجعل الغرب بنخبه السياسية ومجتمعاته يستثنينا من دائرة الصراع والعواقب الوخيمة لملايين من العرب والمسلمين يعيشون في عواصم غربية وملايين أخرى لا تستطيع أن تعيش معزولة وفي قطيعة مع الآخر.

إن الاستمرار في هذه السلبية وفي حالة الانقسام بين مدافع عن الإرهابيين وبين هاجم عليهم، لن يكونا في صالحنا أبدا بل حجة ضدنا، ومعطى هام للحسم في ضعف دورنا وعدم أهليتنا لنكون جماعة ضغط أو قوة مؤثرة يمكن التعويل عليها والتيقن من براءتها من ثقافة الإرهاب والتفكير والقتل.

لذلك فإن أبسط مظاهر الوعي بخطورة استمرار طوفان الإرهاب، تحتم إقامة سد منيع وإعلان موقف مبدئي يناصر سلامة الإنسان أينما كان وتخليص ذلك الموقف مع كل الشوائب السياسية والدينية والإيديولوجية التي يحاول أصحابها التذرع بها. وأعتقد أن بلورة موقف مبدئي متوحد يحتاج إلى إجراءات ملموسة وعاجلة تتفق حولها كل الأجهزة وعلى رأسها الإعلامية والثقافية وكل مؤسسات ذات الطابع المدني كالجمعيات والرابطات والمنظمات...

وهو ما يتطلب صراحة شعورا أكبر بالمسؤولية والتوقف عن المتاجرة بالمواقف التي تحول الوهم إلى غول والكائن الحي إلى كائن قاتل.

من هذا المنطلق، وكي نتحرك ضمن خطة واضحة، لا إنشائية فيها، يحسن بنا جميعا ربط الأعمال الإرهابية بانعكاساتها على أمن الشعوب العربية ومستقبلها الذي اختطفته جماعات نفي الذات.

[email protected]