إنصافا للرجل بعد خروجه

TT

الصديق الاستاذ نهاد المشنوق، المستشار السابق لرئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، أورد في رده في الزميلة صحيفة «الحياة» على المدير المستقيل للأمن العام اللبناني اللواء الركن جميل السيد، ان الأخير تهجم علي كلاميا في لقائي به خلال أزمة جريدة «الشرق الأوسط» مع السلطات اللبنانية. الحقيقة انني وقعت في الفخ نفسه حيث صدقت الاشاعات، عندما قيل لي ان اللواء السيد هو الذي يريد معاقبة الصحيفة، وانه يتزعم الملاحقة القانونية أيضا، وهو الوحيد الذي يملك مفتاح القضية، وهو وراء وضع اسمي على القائمة السوداء حيث منعت من دخول لبنان.

لهذا طلبت مقابلته، فليس هناك أفضل من مواجهة خصمك مباشرة. حينها توافرت ظروف مناسبة مكنتني من دخول بيروت رغم المنع. ويؤسفني ان اقول إن مدير الأمن العام، بخلاف سمعته المرعبة وطبيعة وظيفته الأمنية، وجدته أكثر تفهما وتقديرا لدور الإعلام، من مؤسسات يفترض انها صاحبة اليد الممدودة للإعلام مثل رئاسة الجمهورية. بل كان موقفه افضل من موقف بعض الزملاء النقابيين الإعلاميين اللبنانيين، الذين طالبوا بايقاع اشد العقوبات على الصحيفة في مساندة نفاق واضحة لرئيس الجمهورية.

تأكد لي بعد جلسة مصارحة طويلة ان مدير الأمن العام لم يكن وراء الدعوى، ولا وراء منعي من دخول البلاد، لكنه كان ينفذ تعليمات رسمية من مكتب رئيس الجمهورية. بل كان السيد صريحا انه ضد قرار ملاحقة الصحيفة، لولا ان الأمر جاء من «فوق»، ولا فكاك من متابعته مع المدعي العام. والمدعي العام هو الآخر ترافع ضدنا في قضية لم يكن مقتنعا بها. أما منعي من الدخول فإن اللواء السيد بادر بحذف اسمي من القائمة في نفس اليوم الذي قابلته فيه.

انا لا اعرف اللواء السيد، ولم اقابله سوى تلك المرة اليتيمة عندما كنت رئيسا لتحرير «الشرق الاوسط». خلالها جرت بيننا بالفعل مصارحة كاملة لم يتخللها أي تهجم كلامي من جانبه كما ذكر المشنوق، بل فوجئت به متحدثا ذكيا ولبقا. كنت اتخيله، بسبب تربيته العسكرية، رجلا حادا، فوجدته سياسيا مرنا، وفهمت لماذا كان يقال إن اللواء السيد يطمح الى منصب سياسي كبير، وراج اسمه خليفة لنبيه بري في رئاسة مجلس النواب. وهو امر يبدو صعب التخيل اليوم ، بعد ان خرج اللواء السيد في هذه العاصفة السيئة ووسط غبار الاتهامات الصريحة الموجهة ضد الاجهزة الامنية في جريمة اغتيال الحريري. وبسبب وضع السيد السيئ اليوم ، شعرت ان علي توضيح حقيقة ما دار في هذه القصة الصغيرة ، مقارنة بالأحداث العظام التي يمر بها لبنان. وقد يكون رأس الجهاز الحديدي المستقيل، او المستقال، شخصا سيئا او عظيما ، لا أدري، انما لم يكن موقفه سيئا في قضية جريدة «الشرق الأوسط» ، فقد ثبت ان المشكلة مع رئاسة الجمهورية رغم الشكليات القانونية.

[email protected]