مطلوب مراسل نبهان

TT

من أسوأ عيوب الصحافة العربية وتقارير مراسليها، تأكيدها على رجالات النخبة والاحداث العامة وتجاهلها لتلك الطرائف الظريفة في حياة بسطاء المواطنين. هذا ما يجعل الصحف العربية المعاصرة محصورة في نطاق المثقفين فحياة النخبة لا تعني شيئا بالنسبة للبسطاء، وثانيا ان السياسة لم تعد موضوعا مجديا بالمتابعة. لقد مل منها الناس وفقدوا ايمانهم برجالها. الشيء الذي يجعل كل عائلة في بريطانيا مثلا تشترك بصحيفة يومية واحدة على الاقل هو ليس الحرص على تتبع الاحداث الوطنية والعالمية، وانما الاستمتاع بما تحمله الصحيفة للاسرة من الطرائف. خذوا هذا المثال الذي لفت نظري في صحيفة البراتين ليدر. نقل رجلان الى المستشفى في مدينة برايتن الساحلية في جنوب انجلترا، والدم يتدفق من رأسيهما واحدهما في حالة غيبوبة. ما الطريف في الخبر؟

الطريف ان الرجلين اصيبا بشجة كبيرة في رأسيهما بعد تناطحهما. شيء طريف ولا شك. ولكن الاطرف منه ان هذا التناطح جرى في المكتبة العامة للمدينة. والاطرف حتى من ذلك انهما تناطحا بعد ان تنازعا على استعارة كتاب التقطه احدهما من الرف قبل الآخر، ولكن الآخر الذي اراد نفس الكتاب ادعى بأنه دخل المكتبة قبل الاول، وبالتالي فله الاولوية في الاستعارة. شيء ظريف ولا شك. ولكن الاظرف منه ان الكتاب الذي تنازعا عليه كان عنوانه «السلام في الفلسفة اليونانية» هاهنا رجلان فيلسوفان يؤمنان بالسلام ولم يستطيعا التفاهم على استعارة كتاب.

بالطبع المفروض فيهما وقد توترت اعصابهما الى هذه الدرجة واغتلى الغضب في عروقهما ان يحسما النزاع في عركة بالضرب بالايدي والارجل. ولكنهما في مكتبة عامة ولا يجوز فيها مثل هذا العمل. كما انهما كفيلسوفين لا يليق بهما التضارب بالأيدي كالأوباش. ولما كان الرأس وما احتواه من دماغ هو العضو الاقوى في رجل فيلسوف، فقد تحدى احدهما الآخر على التناطح. فذهب كل منهما الى ابعد طرف في المكتبة ثم هجم احدهما على الآخر ركضا ونطحه.

وهذا ما حصل. شج كل منهما رأس الآخر وسقط مغمى عليه واضطرت مأمورة المكتبة الى استدعاء سيارة اسعاف لنقلهما الى المستشفى.

لدينا الكثير من امثال هذه الاحداث، ولا سيما ما يجري من مخانقات في مجالسنا البرلمانية، ولكن لا احد من مراسلينا يجرؤ على تسجيل ذلك. يحصر دوره بنقل الخطب الرنانة الجوفاء. قد يشير احيانا الى وقوع ملاسنة بين زعيمين دون ان يذكر كيف جرت الملاسنة، هل جرت بعض احدهما للسان الآخر، او مصه، او قطعه؟ هذا ما يصبو اليه القارئ ويفوت على المراسل العربي تفصيله.