خلل في علاقات إيران وسورية مع «حزب الله»

TT

ما أن ذُكر الأسبوع الماضي أن الرئيس السوري بشار الأسد ينوي زيارة طهران يوم السبت 23 الجاري، حتى فسّر معلقون سياسيون إيرانيون امر الزيارة، بأنه رد على زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المفاجئة الى لبنان، ذلك أنها كانت الأولى لوزير خارجية اميركي يعرّج على لبنان، دون أن يكون قد مرّ على دمشق، ونادراً ما كان يمر على بيروت على أساس انه قضى طلباته اللبنانية في سورية، لكن وقع زيارة الأسد الى طهران، لم يلق ايجابية في كثير من الدوائر الإيرانية، ورأى احدهم أن إيران التي كانت تقدّر العلاقة مع سورية، كونها تسهّل لها الاتصالات مع العالم العربي، فإن موقع دمشق تأثر كثيراً بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد. وإذا كان البعض فسر تطلع الرئيس السوري الى إيران على انه يميل الى حليف سورية الاستراتيجي، فإن سورية قد أفرغت معنى العلاقة الاستراتيجية من مضمونه بإغلاقها الحدود في وجه الشاحنات اللبنانية، وضربت عرض الحائط بما ظل يردده كثير من المسؤولين السوريين واللبنانيين عن «العلاقات الاستراتيجية» بين دمشق وبيروت، التي حولتها دمشق الى صناديق من الباذنجان والبندورة والتفاح.. الخ، وتقنين إمدادات الكهرباء والغاز في محاولة منها للإساءة الى الاقتصاد اللبناني، حسب ما فهمه اللبنانيون والعالم. هذا التصرف حمل بعض المحللين السياسيين الإيرانيين على التأكيد بأن دمشق استفادت أكثر من طهران من علاقات الدولتين بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979، وأن إيران قدمت الكثير من المنح الى سورية، وزودت دمشق بالنفط، لكنها لم تحصل على شيء في المقابل، وقال أحدهم «إنه وفي الحقيقة ولعدة عقود، كان دور الخارجية السورية تماماً كدور وزارات النفط في الدول العربية الأخرى، من ناحية توفير المدخول المالي».

ومع إشارة بعض المسؤولين الإيرانيين الى ضرورة تذكير الرئيس السوري بديون بلاده المتأخرة للجمهورية الإسلامية، تجاهل هؤلاء الدور السوري الاساسي في العلاقات الإيرانية مع «حزب الله». وكشف هذا التجاهل المتعمّد عن بداية خلل ما في العلاقة الإيرانية مع «حزب الله» اللبناني، وما يشبه ذلك في علاقة سورية مع هذا الحزب أيضاً، وقد يكون العراق هو السبب، والدور السوري والإيراني فيه، ولكل منهما أهدافه البعيدة والخاصة.

يُذكر أنه إثر فوز مجموعتي «حزب الله» و«أمل» في الانتخابات اللبنانية، توجه سراً الى واشنطن وزير العمل اللبناني طراد حمادة، وهو قريب من «حزب الله»، والتقى مسؤولين في الخارجية الأميركية وعاد بعد تلك الزيارة ليسمح للفلسطينيين في لبنان بالعمل في بعض الوظائف المحددة. والأسبوع الماضي، بعدما كُشف امر زيارته، دعا حمادة واشنطن لفتح حوار مباشر مع «حزب الله»، فيما عجزت دمشق وطهران عن اقناع واشنطن باعتماد خطوة مماثلة كهذه تجاههما. قد يكون حمادة في تصريحه العلني هذا، أراد أن يبقى في الصورة، ذلك ان مصدرا مطلعا، وله علاقة مباشرة في الموضوع، أبلغني أن آليستر كروك، المبعوث البريطاني المكلف إقامة علاقات مع حركة «حماس» و«منظمة الجهاد الإسلامي» الفلسطينيتين، يجري منذ فترة اتصالات ونقاشا مع «حزب الله»، بهدف اقناعه بالانضمام الى الجيش اللبناني، كما حصل مع مقاتلي «أمل»، الذين انضموا بعد حل الميليشيات في لبنان (باستثناء «حزب الله»)، وحسب المصدر المطلع، فإن «حزب الله» لا يمانع شرط تحقيق طلبه، وهو إجراء تغييرات لصالحه في قيادة الجيش، لأنه لا ينسى اصطدام الشيعة في لبنان مع الجيش عام 1982، ويرغب في تغييرات جذرية في القيادة العسكرية لأن الشيعة يمثلون %68 من عناصر الجيش. وعلى هذا الأساس توجه الأسبوع الماضي آليستر كروك، برفقة وفد أميركي رسمي، لإجراء محادثات سرية مع قيادة «حزب الله» في بيروت. هذا لا يعني أن كل مسؤولي الحزب على علم بهذه الاتصالات، او أنهم موافقون عليها، لكنها تعني اقتراب خروج ورقة «حزب الله» من اليد السورية، على الرغم من التصريح «التوريطي» للحزب الذي أدلى به رئيس الوزراء السوري ناجي العطري، حيث اعتبر أن نزع اسلحة الحزب «سيهدد الأمن القومي السوري، وهذه أهم نقطة بالنسبة الينا». بهذا التصريح قلب العطري المعادلة التي كان «حزب الله»، يحاول تسويقها، إن لجهة لبنانيته، او لجهة كونه مقاومة، مهمتها، إذا امكن، استرجاع «مزارع شبعا»، فصار بذلك مكلفاً بمهمة فائقة، وهي ان حماية وجوده وسلاحه، من حماية الأمن القومي السوري.

مصدر سوري كبير عزا كل التطورات الأخيرة، منذ اكثر من سنة، التي بدأت دمشق على وشك ان تدفع ثمنها، إلى ارتباكات الخارجية السورية، واعترف بوجود شكاوى من أداء وزير الخارجية فاروق الشرع، مع تأكيده بأن إحدى أبرز إيجابيات الشرع «أنه رجل، او بالأحرى، مسؤول نظيف». يقول محدثي، إن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد درّب الشرع على مجموعة حلول، الحل الأول للمشكلة الأولى، والحل الثاني للمشكلة الثانية، وهكذا دواليك.. لكن لم يعلمه كيف يتحرك من الحل الأول الى الحل الثاني، فصار الشرع ينتظر أن تتطور الأحداث باتجاه مشكلة يعرف حلها عن ظهر قلب، وما يجري الآن هو انتظار عنصر ينقص المشكلة وبمجرد ان يظهر هذا العنصر «فإن الخارجية تعرف الحل».

الذين يعرفون الشرع يقولون إنه لا يحبذ الذين يُقدمون على مبادرات في وزارة الخارجية، وإذا حصل وأقدموا، فإن التنفيذ يكون بطريقة متداخلة، ثم أنه غير معتاد على المبادرات «هذا لا يعني أن البقية معتادون، إنما هم أكثر ليونة في شخصياتهم ويميلون إلى الإصغاء، لذلك صار الشرع جزءاً بسيطاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل». ويرى المصدر السوري أن الوزير الشرع كونه يعود الى أيام عاصر فيها حافظ الأسد «الذي كان فائق الذكاء»، يظن ان سورية صارت لاعباً دولياً مهماً في السياسة العالمية، وهذا يسبب له مشكلة، فيُقدم على ردات فعل لا تكون عادة من ردات فعل وزير خارجية دولة صغيرة من دول العالم الثالث.

كثر الحديث منذ الحرب العراقية وسقوط حكم حزب البعث العراقي عن خطر يتهدد النظام البعثي السوري، وتضاعف هذا مع الخروج من لبنان، ومحاولات الرئيس السوري فتح منافذ للانقاذ، ويقول لي المصدر السوري، إنه حتى الآن لا خطر داخلياً على النظام، إلا إذا انضمت اوروبا الى اتجاه تصعيد الضغوط الاقتصادية على سورية، عندها ستبدأ القلاقل الداخلية، لكن تستبعد دمشق حدوث هذا الأمر، كما انها تستبعد أن يصدر قرار دولي في هذا الشأن لسبب واحد حسب رأيها، وهو أن فرنسا تريد أن ترى النظام السوري على وشك الانهيار، فتهرع لتلقّيه كي يكون مديناً لها. ومن أجل التركيز على المشاكل الخارجية، حسم الرئيس السوري، كما يبدو، صراع الاستخبارات بعدما تعقّدت الأمور ما بين آصف شوكت وبهجت سليمان، الى درجة لم يعد في إمكانهما العمل معاً، وحاليا تسير الأمور بشكل جيد ما بين آصف شوكت وماهر الأسد. اما الصراعات الأمنية الباقية، فهي ليست كبيرة، إذ أنها بين قائل بوجوب تقوية الجمعيات، وقائل بوجوب التشدد معها. والتوجه الى السماح بإقامة جمعيات، خطوة يعتبرها النظام في سورية توجهاً للاصلاح السياسي، فهو، كما يقول المصدر السوري، لا يريد أحزاباً قومية او دينية، لأنه لا يمكن ان يواجه نصاً دينياً او شعوراً قومياً، ثم إذا جاء احدهم حاملاً أحد الكتب الدينية وقيل له، إننا نريد وضع قانون ضرائب، فإنه سيجيب بالعودة الى الكتاب الديني «ويصبح كل حزب يفسّر الكتاب الديني ليسيّر سياسته وهذا غير مقبول». وكان سياسي سوري سأل أثناء محاضرة أُلقيت في لندن، ممثلين عن الاخوان المسلمين، ما إذا كانوا يسمحون لمسيحيين بالانضمام الى حزبهم، فأجابوه: إذا أمنوا بما نقوم به. والتفكير الحالي من قِبل الاخوان المسلمين، هو في انضمام أعضاء منهم الى الأحزاب السورية المأمول أن يتم الترخيص لها في عام 2006. وتفكير الاخوان المسلمين بالانضمام الى تلك الأحزاب، لا يشكل مشكلة للنظام السوري، لأنها ـ تذوب مع الزمن ـ خصوصاً أن ثلث اعضاء حزب البعث اليوم، حسب المصدر السوري، هم من الإسلاميين المحافظين.

ويأمل الإصلاحيون في سورية ان يتحرك الإصلاح الاقتصادي ليخّف معه تأثير قانون الطوارئ، لكن لماذا لا يُلغى هذا القانون؟.. يجيب المصدر السوري: لأن سورية تشعر بأن هناك خطراً كبيراً عليها من الإسلاميين المتشددين، إن النظام لا يخاف إلا من هؤلاء.