من الخطر المشترك إلى الاستراتيجية المشتركة

TT

إن كنت سائحا... تقتل (كما في شرم الشيخ وقبلها في جزيرة بالي). إن كنت ذاهبا إلى عملك... تقتل (كما في حافلات وقطارات الأنفاق في لندن).

وإن كنت في مكتبك أيضا... تقتل (كما في برجي التجارة في نيويورك في 11 /9 /2001).

أما إذا كنت في لبنان، فتقتل عرضا، وفي العراق مصادفة، وفي افغانستان مجانا... عالم مجنون أم بوادر إخفاق في استراتيجية الغرب في مواجهة ما بدأ بالتحول إلى حرب عالمية ثالثة !

اعتداءات شرم الشيخ تظهر بأن الوقت قد حان لوضع استراتيجية مواجهة جديدة أكثر التصاقا بواقع حرب الارهاب من الاستراتيجية المعتمدة حتى الآن، فهذه الاعتداءات اثبتت أن الغرب ليس وحده المستهدف بالارهاب، وان المواجهة الفعلية ليست بين «حضارتين» بقدر ما هي بين ايديولوجية أصولية متشددة وبين دول المجتمع المدني ـ كائنة ما كانت معتقداتها الدينية ـ حملة الاستنكارات الدولية لاعتداءات شرم الشيخ عكست تقاربا لافتا في لهجة التنديد وأدبياتها بين العواصم العربية والعواصم الغربية ما يتيح فرصة تاريخية للطرفين، لتجاوز مفهوم صامويل هانتنغتون «للصراع الحضاري» بين عالمين (اسلامي ومسيحي في نهاية المطاف) باتا يواجهان تهديدا مشتركا.

قد تكمن هنا «الحسنة» الوحيدة ـ ان صحت تسميتها كذلك ـ لعولمة النشاط الارهابي المنعوت في الغرب «بالاسلامي»، فالعولمة المتنامية جعلت خطوط تماس الارهاب تتقاطع وتتداخل ببعضها بعضا اكثر مما تتواجه مع بعضها البعض. من هنا امكانية ترجمة التهديد المشترك للمجتمع المدني، في الغرب والشرق معا، باستراتيجية مشتركة تنطلق من تحديد أكثر واقعية لاهداف الارهاب من تنظيرات هانتنغتون. من المكابرة فصل «ايديولوجية» الارهاب، نهائيا، عن الخلفيات السياسية التي توظف لتسويقها «كآخر العلاج» لمشكلات قومية وسياسية عالقة، فلا جدال بان توسل الفصائل الفلسطينية العنف، بعد نحو ثلاثة عقود من الاحتلال العسكري الاسرائيلي لاراضيها، كان ردة فعل يائسة على استمرار الاحتلال واستمرار التجاهل الغربي له. وكذلك لا جدال في ان مشاركة حكومة توني بلير في حرب العراق شكلت خلفية سياسية استغلها الاصوليون لتجنيد بعض المتهورين في صفوف تنظيم القاعدة في بريطانيا.

ولكن، بصرف النظر عن عوامل الفعل وردود الفعل، وبصرف النظر ايضا عن الحساسية التي تبديها واشنطن ولندن حيال ما تعتبراه «خضوعا» للارهاب، بات الغرب نفسه مطالبا بفصل الحل السياسي للقضيتين، الفلسطينية والعراقية، عن آلية المواجهة القائمة مع الارهاب. وإذا كانت «خريطة الطريق» تشكل اليوم الضوء الوحيد في نهاية النفق المظلم الذي حشرت فيه القضية الفلسطينية، فان تسوية ما أصبح بالفعل «مأزقا» للاحتلال الاميركي ـ البريطاني للعراق لا تقل عنه أولوية. تسريع واشنطن ولندن للحل السياسي للقضيتين، الفلسطينية والعراقية، من شأنه ان يمهد لصياغة استراتيجية غربية ـ عربية مشتركة لا تقف حدودها عند مكافحة العنف السياسي فحسب بل تتعداها الى إزالة خطوط التماس الوهمية بين العالمين الغربي والاسلامي التي روج لها هانتنغتون وتبناها «المحافظون الجدد» في واشنطن. وغير خاف ان ذلك يستتبع ايضا تسريع العالمين العربي والاسلامي عملية الاصلاح الداخلي لانظمتهما السياسية لتصبح دولهما، فعلا، جزءا لا يتجزأ من المجتمع المدني.