قتلى النفط في اليمن

TT

الرئيس اليمني حاول ان يشرح المشكلة لمشايخ القبائل التي وقعت في مناطقها الاضطرابات. جمعهم في دار الرئاسة وقال لهم إنها مشكلة عالمية، واقترح عليهم ان يساوي سعر بيع البنزين والديزل في اليمن بسعريهما في الجارة السعودية، الا ان مشايخ القبائل رفضوا. وهنا غضب منهم الرئيس وقال «لكم 43 سنة وانتم تقولون بما تقوله السعودية، والآن ترفضون ان اساويكم بهم».

الحكومة اليمنية خائفة لأنها بمواردها المحدودة لن تستطيع مجاراة ارتفاع اسعار النفط في السوق العالمية، ولا يستطيع مواطنوها في نفس الوقت دفع 1300 ريال (سبعة دولارات) لعشرين ليترا ، في حين ان نصف المواطنين دخل الفرد الواحد منهم لا يتجاوز دولارين في اليوم. ويستحيل ان يقبلوا بالامتناع عن قيادة سياراتهم، خاصة انها وسيلتهم الرئيسية في تدبير معيشتهم.

جراء ذلك راح في اليمن اكثر من 22 قتيلا ضحية لرفع الحكومة اسعار البترول من اربعة الى سبعة دولارات للغالون، والوضع سيصبح صعبا في كل الدول العربية الأخرى المستوردة للنفط مثل الأردن والمغرب ولبنان. فما هو الحل؟

نحن امام معضلة خطيرة، فسعر بيع الديزل والبنزين يعتبر رخيصا جدا في اليمن مقارنة بسوق المشتقات النفطية في العالم، حيث تدفع الحكومة فاتورة كبيرة لإعانة السعرين، وهي لا تستطيع الاستمرار وإلا ستصاب بالانهيار. وإذا قررت تحويل جزء من السعر الى جيب مواطنها اليمني فإنه لن يستطيع دفع الفارق وستتعطل حياته. لماذا هذا الوضع السيئ جدا؟ السبب ان الحكومات العربية تفكر فقط في وقت الازمات، سعر النفط يرتفع منذ اربع سنوات وقد يستمر مرتفعا الى ثلاث سنوات أخرى وربما أكثر، فكيف ستتعايش اي حكومة فقيرة الموارد مع الأزمة، هل سترسل الجيش للشوارع كل السنوات المقبلة؟ هل ستستمر في الاستدانة ؟ ام تبدأ صلواتها عسى ولعل تتفجر آبار النفط تحت أراضيها؟

معظم دول العالم لا تنتج نفطا، ومع هذا تعايشت وبعضها نجحت. اتبعت حلولا طويلة الامد بدأتها بإصلاح نفسها في الاداء وتطوير قدرات مواطنيها من خلال التعليم والتدريب، والسير وفق مشروع جاد للتنمية. فنلندا من افقر دول اوروبا في الموارد، لكنها وبجهودها الذاتية باتت من اغناها، وكذلك سنغافورة التي تشم رائحة البترول الاندونيسي وتدفع ثمنه كاملا، اصبحت اغنى منها.

الحكومة اليمنية، مثل المغربية والأردنية، في ورطة كبيرة تتسع مع الوقت، ولا مناص من ان تدفع فاتورة المشتقات النفطية حتى تتدبر امرها. ومن اجل ان تتدبر شأن مستقبلها تحتاج الى ان تبحث في التخلي عن مفهوم الاستعانة دائما بالمعونات، الى تبني سياسات تنمية طموحة وشجاعة، تبدأ بإصلاح ادائها وتطوير قدرات مواطنيها. إن لم تفعل لن تنجو عندما يصبح سعر البرميل مائة دولار، وقد لا تنجو حتى لو هبط السعر اليوم الى خمسين دولارا لبرميل، خاصة مع تزايد عدد سكانها وارتفاع اسعار المواد الأولية والمنتجة عالميا.

[email protected]