هدايا لا تشترى

TT

دخلت احد المتاجر فوجدت هذا الإعلان معلقاً على الحائط، ولفت نظري عنوانه القائل: (هدايا لا تشترى)، فأردت أن اعرف هذه الهدايا التي لا تشترى على أمل أن تقدم لأي زبون من أمثالي بدون دراهم، غير انه اسقط بيدي عندما قرأتها، وبما انني انكبست فلا بأس أن أكبسكم معي في قراءتها، والهدايا غير الثمينة أو المجانية هي كالتالي: أن تبر بوعد، أن تحفظ سرّاً، أن تشارك احدهم في حلم، أن تسمح لآخر بالكلمة الفصل، أن تبتسم لمن يبتسم لك، أن تضحك لقصة رواها احدهم للمرّة الثانية، أن تدع احدهم يدخل صف الانتظار قبلك، أن تصغي إلى طفل، أن تصغي إلى شخص بالغ.

عندما انتهيت من قراءة ذلك الإعلان (الخنفشاري)، استدعيت البائع وسألته عن الذي وضع ذلك الإعلان، فقال انه صاحب المتجر، قلت له: اطلبه لي، قال: انه مسافر ولكن لماذا تسأل وماذا تريد منه؟!، قلت له لا شيء ولكن هذا الإعلان بصراحة قد استفزني، قال لي: الباب يسع جملاً ذا سنامين، قلت له: شكراً وفعلاً خرجت من ذلك الباب كأي جمل مؤدب.

هل توافقونني أن ذلك الإعلان كان استفزازياً حقاً؟!، أم انه قد (غُم) عليّ، وان عقلي قد أصابه شيء من التشويش؟!، هناك احتمال أن يكون ذلك، لأن موجات الركود الذهني تفاجئني أحياناً بدون أي موعد وترتيب حتى لو كنت في حضرة (محترم المحترمين) ساعتها لا أعيره أية أهمية، واضرب ببلاغته وعلمه وقيافته ونياشينه وتاريخه (عرض الحائط)، واذرع المجلس الذي هو فيه ذهاباً بدون أي إياب ولا استئذان.

قد يقول لي احدهم: وأنت (ايش حارق رزَّك)، ويؤنبني الآخر قائلاً: (واحد مرّبي دقنه وايه اللي متعبّك فيها)، ويلوي عنقي الثالث قائلاً: أما انت غريب يا أخي، هل طمس الله على بصرك وبصيرتك إلى درجة انك لم تستوعب المعاني الرائعة من ذلك الإعلان؟! الواقع أنني لم استطع أن أرد على أي من الثلاثة، وإنما أرخيت رأسي الذي وقف عليه الديك وليس الطير، وأخذت أفكر بصمت مطبق في الرز، والذقن، والبصيرة.. واكتشفت أنني جائع فعلاً، وانه قد مضى عليّ ثلاثة أيام ولم احلق ذقني، وان بصيرتي ذهبت وحدها دوني تلعب على سطح بيت بنت الجيران.. بعدها رفعت رأسي وبادلت الثلاثة ابتسامة باهتة فلم يردوها لي إلى حد هذه الساعة.

على أية حال سوف أعود لذلك المتجر غداً، واشتري فقط هدية (الإصغاء إلى الطفل) وأقدمها بعد أن أغلفها واربطها بخيط مذهب ثم أقدمها هدية إلى منظمة (اليونسيف)، أما أن ادع احدهم يدخل صف الانتظار قبلي، فذلك دونه لا خرط القتاد فقط، ولكن دونه ما صنع الحدّاد أيضاً.

نعم أنا أولاً ولا احد قبلي، ولا كذلك احد بعدي.

[email protected]