تفجيرات طابا وشرم الشيخ.. محاولة لتفسير ما جرى

TT

هل من قبيل المصادفة أن تشهد سيناء المصرية سلسلتين من الهجمات الإرهابية الأولى في السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2004 أي بعد يوم واحد من ذكرى انتصار مصر على إسرائيل في أكتوبر 1973، وأن تأتي السلسلة الثانية من الهجمات في ساعة مبكرة من صباح 23 يوليو / تموز وهو يوم احتفال مصر بثورة يوليو 1952؟

وهل من قبيل المصادفة أيضا أن تتعرض مدينتان تمثلان أهمية كبرى للقيادة السياسية في مصر إلى هجمات إرهابية، حيث ترتبط طابا بأهم انتصار خارجي للرئيس المصري حسني مبارك بعد نجاح مصر في استعادتها عبر معركة قضائية طويلة، وتحكيم دولي احتشدت مصر خلف رئيسها فيه، بينما تمثل شرم الشيخ المنتجع الرئاسي الأهم لدى الرئيس المصري أو مقر الحكم الثاني بعد القاهرة؟

المصادفة مثل المؤامرة، لا مكان لها في السياسة، والمقياس الوحيد الذي يمكن القياس عليه في مثل هذه الحالات هو المعلومات ودلالاتها، لذلك فإننا مطالبون بالبحث عن علاقة الزمان والمكان بالتفجيرات التي تحمل في طياتها أكثر من رسالة لعل أولاها أن وصول العمليات الإرهابية إلى مقر الحكم الثاني في مصر، يمثل اختراقا لسلسلة معقدة من الإجراءات الأمنية تخضع لها سيناء منذ تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي، وتم تشديدها عقب تفجيرات طابا. فالوصول إلى شرم الشيخ عبر القاهرة يستلزم التوقف عند ثماني نقاط أمنية للتفتيش الدقيق، أما داخل المنتجع الساحلي الشهير على البحر الأحمر، فإن مظاهر الأمن تتوافر في كل الشوارع دون استثناء، بعد أن تحولت شرم الشيخ ليس إلى منتجع مفضل للرئيس لممارسة مهام الحكم وإجراء المقابلات مع ضيوفه الأجانب، وإنما لأن شرم الشيخ أصبحت منتجعا مفضلا لعدد من قادة العالم، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر رئيس الوزراء البريطاني وسلطان عمان وملك البحرين والرئيس اليمني. كما أن شرم الشيخ نفسها أصبحت مقرا للمؤتمرات الدولية حيث شهدت عشرات المؤتمرات التي شارك فيها قادة العالم لمناقشة موضوعات مهمة مثل الارهاب والعراق والقضية الفلسطينية.

أما الرسالة الثانية فهي تستهدف الرئيس المصري حيث وقعت التفجيرات في تاريخين مهمين بالنسبة له، الأول هو ذكرى نصر أكتوبر الذي يعتبر أحد أبطاله وصانعيه، والثاني هو ثورة يوليو التي حرص قبل يومين من التفجيرات على التأكيد أن شرعية حكمه لا تزال مستمدة من شرعية الثورة المصرية، في رد على مطالبات بعض المفكرين المصريين بالبحث عن شرعية جديدة للحكم، بعد أن فقدت يوليو شرعيتها بهزيمة يونيو /حزيران 1967، وانتهت شرعية أكتوبر بتوقيع اتفاقات السلام مع إسرائيل عام 1978 .

أما من الناحية الأمنية فإن تفجيرات طابا وشرم الشيخ قد أثرت على مصداقية الأمن المصري، الذي أصبح قادته مطالبين الآن أكثر من أي وقت مضي بتوضيح مفهومهم عن الاستقرار الأمني الذي تعيشه مصر خاصة.

لقد كشفت الهجمات الارهابية الأربع التي تعرضت لها مصر في طابا وخان الخليلي وميدان عبد المنعم رياض بالقاهرة وأخيرا في شرم الشيخ، أن المراجعات التي أجرتها الجماعة الاسلامية المصرية وانفردت الأجهزة الأمنية برعايتها، لم تنجح في القضاء على التنظيمات الارهابية المحلية،وإن كانت حيدت التنظيم الأكبر الجماعة الإسلامية، فإنها لم تدرك أن هناك تنظيمات محلية أخرى غير معروفة أو مرصودة أمنيا انتظمت في ظل الهدوء الأمني الخادع من ناحية، وغياب المجتمع ككل عن التصدي لظاهرة الإرهاب ومواجهته مواجهة مجتمعية شاملة تقضي عليه من جذوره.

وأثبت الحل الأمني المنفرد المعتمد على سياسة العقاب الجماعي للإرهابيين وأسرهم، كما حدث في حادث خان الخليلي أنه يؤدي بالضرورة إلى حوادث أخرى، حينما ارتكبت نفس المجموعة عملية عبد المنعم رياض. وقد تحمل التحقيقات في حادث شرم الشيخ أيضا أدلة اتهام لمجموعة طابا، التي لا يزال أحد منفذيها هاربا بينما يقبع المئات من أهل سيناء داخل السجون رهن الاعتقال منذ تسعة أشهر، رغم مطالبات المنظمات الحقوقية لإطلاقهم.

* صحافي مصري