.. ولكن من وراء التفجيرات ..؟

TT

مصر دائما على موعد مع الاحداث المهمة وأحيانا المفجعة، وفي فجر الثالث والعشرين من يوليو عام 2005 ضربت ثلاثة مواقع سياحية بالمتفجرات في منطقة شرم الشيخ السياحية، وكان حادثا مفجعا ووقع الكثير من الضحايا وانطلقت التحليلات ممن يعرف وممن لا يعرف الفرق بين شرم الشيخ وكفر الشيخ في مصر. والحقيقة ان هذا الحدث له دلالات مهمة مبنية على الرؤية الصحيحة، منها ان هذا الحدث الخطير وما سببه من حادثة مفجعة ربطه بتنظيم القاعدة يحتاج الى تريث وذلك لان التحليل الاولي لانفجارات شرم الشيخ يذهب الى انها وثيقة الصلة على ما اعتقد بانفجارات طابا السابقة، لأسباب منها طريقة التنفيذ بتتابع الانفجارات، والهدف في اماكن سياحية يرتادها الاجانب والمكان وهو الاهم وهو سيناء التي لا يعرف دروبها ومسالكها الا اهلها فقط بخصوصية وتميز واضح يضاف الى ذلك ما يتردد عن الاحتقان الذي سببته التجاوزات الأمنية بعد انفجارات طابا من اعتقال الكثير من اهل سيناء، وحدوث اشتباكات مسلحة على فترات متقطعة، وميعاد محاكمة المتهمين في انفجارات طابا في اليوم التالي للحدث الاحد 24 ـ 7، وان كان هناك فرق مهم جدا بين الحدثين الا وهو ان معظم المقتولين في انفجار طابا من الاسرائيليين وفي انفجار شرم الشيخ من المصريين، وتعليلي ان السبب في ذلك يرجع ربما الى ان في التخطيط والتنفيذ لانفجار طابا، اتسم عمل المنفذين بالهدوء، اما في حادثة شرم الشيخ فالغضب الاعمى والعشوائية كانا هما المسيطران على المنفذين، ولكن الاهم في تلك الحادثة المفجعة هو اختراقهم لأقوى تحصين أمني في مصر في منطقة شرم الشيخ، التي طالما عقدت فيها المؤتمرات السياسية العالمية ذات الدلالات المهمة، واجتمع فيها رؤساء العالم وعلى رأسهم الرئيس الأميركى بوش وغيره، واللافت انه عقد في شرم الشيخ سابقا مؤتمر لمكافحة الارهاب، ولعل ذلك هو اهم ما اراده المنفذون وهو توصيل رسالة سياسية ذات معان وشظايا سياسية متعددة.

ولكن للاسف الشديد كان ذلك على حساب ارواح المصريين ولكن ماذا بعد انفجارات شرم الشيخ ومصر تعاني من حالة احتقان وغضب على مستوى الشارع السياسي، ومقبلة على انتخابات متعددة من انتخابات رئاسية الى مجلس الشعب والمظاهرات كل اسبوع في مصر لا تنقطع. فهل تعود مصر الى ما كانت عليه ويقف التغيير الاصلاحي بحجة ما حدث من عنف ويزداد الموقف من الاصلاح تأزما، ام تمضي حركة الاصلاح بشكلها الممل الحالي الذي يعترض عليه الكثير من المعارضين.

وتبقى نقطة اخيرة فيما يتعلق بالقاعدة ومسؤوليتها عن ما حدث، أظن والله اعلم ان دقة تحديد وتنفيذ الهدف في انفجار شرم الشيخ الخطير هو الذي ألقى بالقاعدة في دائرة الاتهامات، وهي غير بعيدة للتلاقي في الاهداف والتنفيذ والخطط والتزأمن مع انفجارات لندن، ولكن اثبات الصلة التنظيمية بين المنفذين وتنظيم القاعدة هو الذي يحتاج الى دليل ولا يغني البيان المنشور المنسوب لما سُمي كتائب عبد الله عزام في ذلك، لأن هناك بياناً اخر نشر على الإنترنت لجماعة تسمي نفسها مجاهدو مصر، وهو اقوى في الدلالة مما يدحض بيان تنظيم القاعدة في بلاد الشام وارض الكنانة، ليبقى ان الساحة المصرية شهدت ميلاد تنظيم مصري جديد يختلف عن التنظيمات السابقة كالجهاد والجماعة الاسلامية، ولكنه يملك قدرات مخيفة تجعل الجميع يفكر بصوت عال: هل يعيد التنظيم ضرباته وأين المكان الجديد؟ ام ان عصا الأمن الغليظة سوف تنال منه، ام تزيده رغبة في الانتقام؟

الحقيقة التي اتخوف منها هي ما وراء هذا التنظيم، مثل هل ارتباطه بالقاعدة فكري فقط ام يزيد على ذلك في تبادل الخبرات، مثل استقدام اجانب يملكون التقنية العالية كما اشير سابقا الى الباكستانيين المختفين في مصر او غيرهم ليتضح للجميع ان التنظيم ربما خلية عنقودية للقاعدة.

ولكن يبقى ان اشير الى نقطة خطيرة متعلقة بالفكرة في اقدامه على قتل المصريين بهذه الطريقة، فهي تشير الى فكر متشدد ربما يقترب من فكر التكفير المتشدد لم تحمله جماعة مصرية جهادية سابقا، وخطورته انه تكفير مسلح. والسبب في ذلك هو منع الدولة للدعاة الاسلاميين من ممارسة نشاطهم الدعوي وتوعية الشباب وترك الساحة لعلماء السلطة غير المقبولين مطلقا من الشباب، ولسلطات الأمن فقط تمارس الدعوة الاسلامية بطريقتها فاتجهوا الى الاعتماد على انفسهم في فهم وتحصيل العلوم الشرعية وهو مسلك خطير.

وأخيرا يبقى سؤال مهم: متى تفتح الدولة ابواب الحرية للاسلاميين؟ فلنترقب...

محام إسلامي وكاتب مصري

[email protected]