الطريق الخطأ

TT

أنا أعتقد أن اخطر عمل قام به الإسرائيليون، ليس احتلال فلسطين منذ خمسين عاما والاستيلاء على تراثها وتاريخها وفولكلورها، وأن أثمن ما خسره العرب ليس فلسطين بل هو ضياع الطريق إلى فلسطين، فلا بد أن الإسرائيليين يصدرون لنا خريطة مضللة ينشرها العرب تحت أيديهم كلما قرروا التوجه إلى فلسطين. ولعل أشهر خطأ جغرافي سياسي كلف العرب ثمنا باهظا، هو يوم قرر زعيم النشامى صدام حسين تحرير فلسطين، فاحتل الكويت، وهلل القوميون له قائلين: تحيا الوحدة العربية البسماركية، وحدة الضم بالقوة، فشعارهم ليس الاتحاد قوة، بل الاتحاد بالقوة.

من يومها صار صدام حسين قدوة العمل السياسي والعسكري، فأسامة بن لادن أسقط البرجين لتحرير فلسطين، ولكن أسامة غير ملوم فأستاذه الفلسطيني في الجامعة الذي تلقى دروسا على يده في جامعة الملك عبد العزيز، ثم لاقاه في افغانستان، هو الذي على ما يبدو رسم له خريطة فلسطين ولو بالتأثر، فعبد الله عزام الذي يعتبر الأب الروحي لحركة الجهاد الأفغاني، قرر أن يتجه من المدينة إلى بيشاور إلى قندهار ليحارب مع الافغان في تحرير بلادهم من القوات الروسية التي دخلت لدعم الحزب الشيوعي، متجها بعكس الاتجاه عن فلسطين بلده الذي محا الزمن المخادع أثره من خريطته العاطفية والجغرافية.

اياد سعيد صالح، 22 عاما، تحول من سائق حافلة للركاب في طابا، إلى سائق قنابل متفجرة قتل بها اثنين وثمانين مصريا لتحرير فلسطين، وبسبب ما يعاني الفلسطينيون، فيحييه جمهور فلسطين الله أكبر الله أكبر!.

الحديث عن تعديل وجهة الحرب إلى فلسطين بات من أحاديث الدعوة للحرب، وضد السلام، الذي تحرسه دولة جبارة مثل أميركا، ورئيس وزراء مثل شارون الحرون وطرفا ثالثا هو عباس، من حقه أن يقرر عن شعبه الفلسطيني الذي انتخبه. وصار من غير المجدي الحديث باسمهم كما فعلنا طوال خمسين عاما مضت، وما قاد حديثنا إلا في خسارة المزيد من الأرض والأرواح، وقبلنا بما رفضناه البارحة، ونحن نعض أصبع الندامة.

اليوم لم يعد هذا هو خطأنا الاول، تلاه تحول الموقع الجغرافي لفلسطين إلى مفهوم مشوش ومزيف يضل العرب والمسلمين كلما تبعوه، تحولت فلسطين كما يتحول العراق اليوم بعد أن سقط ديكتاتورها، وانتخب شعبها مجلسا حاكما باسمه إلى مجرد شعارات تضل هي أيضا الطريق، كلهم يرسمون خريطة لفلسطين بعيدا عنها وبعيدا عن تحريرها، والمصيبة أن بعضنا يصدقهم، فهم يستخدمون الخريطة الخطأ ذاتها واسرائيل هي المستفيد الوحيد!.

[email protected]