باسم الشعب أول «المهاجرين»

TT

ذات يوم جئت من لندن لحضور عرس مريم، كريمة الفنان عصمت شنبور في مدينة شارتر الفرنسية. وخلال الحفل تقدم مني رجل طويل القامة، نحيلها، وعرّف نفسه بأدب جم: اميل شوبري، القائم بالأعمال السوري. وقال لي ان في ذهنه سؤالا قديما جدا، اذا ما اجبت عليه يكون شديد الامتنان. هل كنت، أي الداعي لكم بطول العمر، واحدا من مجموعة من المعارضة السورية التي كانت تلتقي في مكتب الاستاذ بشير بن يحمد صاحب «جون افريك»؟ وأجبت باختصار شديد: لا. لم أكن.

ذهبت مرة واحدة الى لقاء بشير بن يحمد، وزير الإعلام التونسي السابق، وأحد رجال بورقيبة، وصاحب أول مؤسسة اعلامية عربية في فرنسا، وربما في أوروبا. وكان لدي موضوع واحد: هل ثمة امكانية للعمل مع «جون افريك»؟ كان جواب بشير بن يحمد مؤدبا ومقتضبا وباردا وقاطعا: لا.

كانت تلك، آخر مرة رأيت الرجل. غير انني لم اتوقف عن قراءة مجلته. انها وسيلتي الجدية الوحيدة للاطلاع على شؤون افريقيا والمغرب العربي. وفيها اقرأ اسلاميين متنورين، وكتابا ألمعيين مثل الشاذلي القليبي وإرثه الثقافي الذي بدأ مع بورقيبة ايضا. وفيها اقرأ زوايا ساخرة وبراقة مثل كتابات فؤاد العروي، وهو استاذ جامعي، فهمت انه يعيش في هولندا. على ان اكثر ما اقرأ في المجلة صفحتي بشير بن يحمد نفسه. هناك فكر واسع وليبرالية اصيلة وموقف قومي رفيع. وعندما «هاجرت» الصحافة العربية الى اوروبا، راح اللبنانيون يدعون الريادة. لكننا جميعا نسينا تجربة «جون افريك» التي اصبح عمرها اكثر من 40 عاما. وتجاهلنا بعنصرية تلقائية تجربة التونسي الآخر عفيف بن يدر ومنشوراته الانكليزية والفرنسية. وكان المرحوم سليم اللوزي يكره أي منافسة على المداخيل الاعلانية فأزعجه نجاح عفيف السريع. ورأى ان أبسط وأسهل الطرق هي ان يتهمه بأنه «اسرائيلي» الديانة. وجاءني عفيف يضرب رأسه، وقال لي، كيف ارد على ذلك، وانا ابن عائلة مسلمة معروفة بالتقوى. وقلت له، الحل بسيط. ادع سليم اللوزي الى صلاة الجمعة في مسجد لندن.

انتقلت الصحافة اللبنانية الى لندن وباريس هربا من الحرب. ثم كانت هناك طبعات دولية للصحف المصرية والكويتية. ثم تصدرت الصحف السعودية الطباعة والتوزيع. لكن عندما نتحدث عن الصحافة العربية لا يأتي احد على ذكر بشير بن يحمد، أول مؤسساتي في اعلام الغرب. لقد تصرف منذ اللحظة الاولى على ان مجلته فرنسية يجب ان تعيش بذاتها ومن نجاحها. وهي توزع اليوم مائة ألف نسخة في الاسبوع. وعندما تفوتني قراءتها اشعر انني افتقدت الكثير، خصوصا خواطر بن يحمد ولمعات فؤاد العروي، او كتب امين معلوف الذي عمل مديرا لتحرير المجلة قبل ان يتكرس للكتب.

الى اللقاء.